أما القوى الأخرى المعنية بالملف اللبناني من الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية فهي قوى لها حساباتها الاقليمية والدولية ولم تطرح مبادرات عملية من شأنها تحريك الركود الحكومي.
ان القوى الخارجيّة السابقة الذكر على اختلاف خلفياتها وتوجهاتها، تنصرف أولويتها إلى ملفات إقليمية ودولية أكبر ، وهي تقارب الملف لبنان من موقع انتظار نتائج تلك الملفات، فيما القوى السياسية المحلية غارقة في مستنقع فسادها وحساباتها تتعلق بقشة أي مستجد على خط المفاوضات النووية والاجتماع الإيراني- السعودي وهي تعلم أنها لن تنجيها من القعر الذي أوقعت نفسها فيه، فالخارج سيكتفي بترك البلد على قيد الحياة ولكن يحتضر ، إذا استمر المعنيون في لعبة الهروب من تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها الشرق أسوة بالغرب لمساعدة لبنان، فالصين على سبيل المثال لا الحصر لن تستثمر في لبنان من دون ضمانات.
إن اكثر ما يشغل بال الروس بمعزل عن ملف أوكرانيا، هو الجانب الاقتصادي المتصل بحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط قبالة الشواطئ اللبنانية والسورية، أما الأدارة الأميركية فتقدم ملف ترسيم الحدود البحرية على أي ملف آخر، أما الجمهورية الإسلامية فمنشغلة بالملف النووي ونتائج مفاوضاتها مع الأميركيين ومجموعة 5+1. أما على الخط السعودي، فالرياض غير مكترثة، وأولوية الملف اليمني تتقدم عندها على أي ملف آخر.
يكاد المشهد السياسي أمام حالة انتظار طويلة حتى أن أوساطا دولية بدأت تأخذ بحسبانها احتمال استمرار الفراغ الحكومي في لبنان إلى نهاية عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. فهل ثمة احتمال ما في تغير المقاربات الخارجية للملف اللبناني؟
إن التغير الوحيد المحتمل يأتي على لسان ما يسربه الفرنسيون من صياغة منظومة عقوبات أوروبية تطال من يعتبرونهم المعرقلين لتشكيل الحكومة بهدف تشديد الضغوطات وتحديد المسؤوليات وهم يقصدون على نحو حصري النائب جبران باسيل وعدد من معاونيه وبعض مسؤولي التيار الوطني الحر. وأمام ذلك لم يعد خافيا أن قرار الرئيس عون هو المواجهة وعدم التراجع مهما اشتدت الضغوطات فهو يعتبر أن ما يريده الآخرون هو كسر تياره وليس تشكيل الحكومة.
إن تشكيل الحكومة في معضلة والبلاد في أزمة وقدرة الاحتمال المالي والاقتصادي أوشكت على النفاد بحسب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي حدد شهر أيار حدا فاصلا لوقف الدعم، فأي غليان سيشهده صيف لبنان المقبل؟
على الأرجح أن الأشهر المقبلة ستشهد مزيدا من التداعي العام وربما الفوضى الاجتماعية وعجز في مؤسسات الدولة وأجهزتها عن القيام بدورها. وإزاء ذلك ، ثمة من يقول ان الموقف الدولي سيقتصر على سياسة الترقب والانتظار وممارسة ضغط العقوبات، بيد ان اوساطا اخرى ترى ان المجتمع الدولي لن يتفرج على احتضار لبنان، و هذه الأوساط تروج الى مقاربات جديدة سوف تعبر عن نفسها بأدوات عملية على خلفية نتائج التفاوص الأميركي الإيراني على الملف النووي وربما الملفات الإقليمية الأخرى وعلى خلفية بدء التفاوض السعودي الإيراني على الملفات المشتركة وفي طليعتها الملفين اليمني واللبناني. ليبقى السؤال المشروع، اي منحى ستأخذه هذه المقاربات؟ وما هي ردود فعل القوى المعنية في البلد وفي طليعتها التيار الوطني الحر الذي يملك سجلا حافلا في ممانعة التوافقات الإقليمية والدولية عندما يرى أنها تعارض مصالحه الحزبية والسياسية؟