وحده “التيار الوطني الحر” يشهد انشقاقا في داخله. فالاستقالات من “تكتل لبنان القوي” تتوالى يوما بعد يوم وآخرها النائب ايلي الفرزلي، وهذا ما يدفع الشامتين العونيين الذين لا يزالون في صفوف “التيار البرتقالي” إكراما لمؤسس التيار الرئيس العماد ميشال عون، إلى القول”طابخ السم أكله”. فرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل هو من حبك التحالفات الانتخابية في العام 2019 وفق حساباته الضيقة ومنطق “البزنس”، ولذلك وصل التيار العوني إلى هذا المستوى من الدرك، ووحده يتحمل المسؤولية”. فهؤلاء النواب الذين اختاروا اصطفافات سياسية مختلفة، تحالفوا مع التيار في ذلك الحين لأن العهد في يده، لكن بعد ما فلت الملق نتيجة سياسات خاطئة وتسويات قام بها باسيل على عينك يا تاجر، تفرق عشاق النائب البتروني.
المهم، وفق العونيين، “ان باسيل نفسه لا يكف عن اعتماد سياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع الملفات كافة العامة والخاصة، و على سبيل المثال لا الحصر ملف تعيينات منسقين في الاقضية، فالتشكيلات التي يجريها تنطلق في استفزاز بعض النواب الارثوذكس والموارنة من خلال تعيين بعض الشخصيات كمنسقين عامين، تحديدا في المتن او في جبيل، علما ان هذه القراءة ستبقى مجرد اوهام يقول العونيون انفسهم، خاصة وان باسيل يستند في إجراءاته الى معاونيه الاقربين الذين يديرون الملفات من منطق الحسابات الشخصية ولأنهم يريدون الامساك بقواعد اللعبة على الارض”.
في المقابل، ما يهم باسيل، وفق المقربين منه “مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين في القضاء بعيدا عن الشعبوية والنعرات الطائفية، خاصة وان الفساد لا طائفة له وان المهم العمل اليوم على اجراء التدقيق الجنائي المالي واستعادة الاموال المهربة الى الخارج ومساعدة القضاة الاكفاء في عملهم”. من هنا يرى باسيل ، برأي المقربين منه، “ان الحملة التي يتعرض لها من الداخل اشبة بمؤامرة لاغتياله سياسيا لانه يشكل خطرا على المنظومة الحاكمة التي تغطي الفساد بطريقة او باخرى، وان تلك الحملة التي تتقاطع مع ضغوطات خارجية عليه وعقوبات، لن ترهبه ولن تحيده عن جوهر القضية التي يحملها “التيار الوطني الحر”، والتي تتمثل بكشف الحقائق وتحقيق الاصلاح المنشود، عطفا على حماية حقوق المسيحيين ومكتساباتهم في هذا البلد وعدم المس بصلاحيات الرئاسة الاولى ايا يكن الرئيس”. وبعد من ذلك ترى مصادر باسيل” ان ما يقوم به الاخير على مستوى التيار الوطني الحر، يصب اولا واخيرا في مصلحة التيار التي تعلو وفق كل مصلحة لمنسق من هنا او نائب من هناك وبالتالي لا داعي لإعطاء الموضوع اكثر من حجمه”.
لاشك في أن باسيل لا ييأس من محاولات اظهار نفسه خلال لقاءاته مع السفراء المعتمدين في لبنان أو رسائله إلى الخارج أو مؤتمراته الصحافية على أنه المنقذ لحقوق المسيحيين واستعادة اللبنانيين لأموالهم عبر الدفع لإجراء التدقيق الجنائي المالي في مصرف لبنان، لكن الواقع مختلف تماما عند، العونيين الذين لا يزالون يحملون الراية البرتقالية ، فهم يعتبرون ان وزير الخارجية السابق اصبح عبئا على التيار الوطني الحر ويشكل خطرا على تماسكه، من منطلق ان كل ما يقوم به ينطلق من استفزاز الآخر وافتعال الخلافات مع القوى السياسية كلما استدعت مصلحته الانية بعيدا عن مصلحة الوطني والمواطن والإصلاح والتغيير. فالملف الرئاسي يطغى عنده على اي قضية أخرى. وهنا تكمن المشكلة، فما أصاب العهد برقبته. وكل الاتهامات التي توجه الى رئيس الجمهورية يتحمل مسؤوليتها، فهو الذي لا يكف على عرقلة تأليف الحكومة والتدخل في الكثير من التعيينات ووصل به الامر الى ارساله مستشارين الى قصر بعبدا لتشكل قوة دعم له، خاصة أن بعض المستشارين في القصر الجمهوري من المستحيل عليه أن يفرض رأيه عليهم او يتجاوزهم وهذا ما يثير حفيظته، فالنائب العوني حاول كثيرا إزاح احد المستشارين من جانب الرئيس عون وتهميشه لكنه وصل الى طريق مسدود.
امام كل ما تقدم، هل حان الوقت لإجراء التيار الوطني الحر مراجعة نقدية لمساره ودوره؟.
منذ ما بعد 17تشرين الاول2019 أثبت “التيار الوطني الحر” أنه فشل في الكثير من المحطات وفقد ثقة الكثيرين من اللبنانيين الذين ابدوا تأييدا له من خارج الدورة العونية، فلم يستطع محاكاة الشارع الذي دأب على تحميله والعهد مسؤولية ما وصل إليه البلد من ازمات اقتصادية ومالية وقضائية، وابعد من ذلك فإن التشظي على المستوى الداخلي العوني يبقى الأخطر في ظل الصراعات الداخلية بين النواب العونيين من جهة ونائب البترون من جهة اخرى، فأي موقف يصدر عن نائب من”التيار الوطني الحر” لا يتلاءم مع سياسة باسيل سواء في ملف الحكومة أو القضاء او غيرها، فإن الجيوش الالكترونية المحسوبة على مساعدي باسيل تكون حاضرة وبالمرصاد للهجوم عليهم وتخوينهم. ليبقى الأكيد ان المنطق يفرض بحسب العونيين ، الذهاب الى نفظة حقيقة في نهج التيار والمؤسسة تفضي الى انتخاب رئيس جديد له بعدما اثبت باسيل عدم فعاليته.