رمضان الفيحاء عبق من الماضي والحاضر 11/30

23 أبريل 2021
رمضان الفيحاء عبق من الماضي والحاضر 11/30
بعد توسع المدينة وخروج العائلات من حرم المسجد المنصوري الكبير، واتساع رقعة العمران ونزوح ونزول أهل الأرياف إلى ضواحي المدينة، خرجت العادات الاجتماعية من ذلك الحرم الذي تطبعت المدينة بطباعه وجغرافيته ومكانه ومكانته ولو جاء الخروج على مراحل، فغادرت العادات الاجتماعية والاحتفالات الشخصية حرم المسجد لتنتقل إلى المواقع الجديدة في طرابلس في ساحة الكورة والحرية، ثم إلى شارع عزمي والمصارف. ويقول مؤرخون إن هذا الانتقال حصل قبيل الانتداب الفرنسي وخلاله ، حيث شارك في بناء طرابلس الجديدة في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي  مهندسون من فرنسا ومن إيطاليا . وثبّت زوار من إيطاليا العام 2010 هذه المقولة عندما زاروا شارع عزمي وحضوا الدكتورة راوية مجذوب على الحفاظ على تلك المباني مؤكدين أنها بنيت على الطراز الإيطالي معربين عن حزنهم لأن إيطاليا لم تحافظ على مثيلاتها. 












ولكن مواسم الأعياد والأخرى ذات الطابع الديني شكلت مناسبات عودة موسمية للناس إلى ذلك الحرم، سواء كان ذلك في المقاهي أو السوق أو المساجد المتعددة كالمعلق وارغون شاه وطينال ومسجد العزم كما ذكرنا سابقا. 

ويقول رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي الصحافي  صفوح منجد عن عودة المجتمع الموسمية إلى حرم المسجد في مقالة لصحيفة البلد العام 2006، “إن طرابلس تشهد  خلال شهر رمضان عودة الأهالي إلى قلب المدينة القديمة وحاراتها الشعبية ..وان المتابع لحركتهم يشعر أن حنيناً إلى الماضي يجذبهم الى تلك الأحياء والزواريب والحارات التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم، ولعل مشهد المقاهي الشعبية في منطقة الحدادين (جبل النار) عند البوابة الجنوبية للمدينة القديمة خير دليل على ما يسمى “العودة الجماعية الى الجذور”، إذ يلتقي في هذه المقاهي الشعبية أبناء المدينة من كل الأعمار والفئات. ومع النارجيلة ولعبة الورق تدور الأحاديث عن أيام زمان”.

ولو لم يقصد المنجد ذلك فإنه يلفت هنا إلى تبدل المفاهيم والعادات اذ أن حضور لعب الورق جديد ضمنا بين الناس، وهو حل محل السهرات القديمة والتحلق حول الراديو في خلال ليالي رمضان “الذي تموضع في صدر المقاهي” للاستماع إلى تلاوات قرآنية مصرية أو سورية ،أو الاستماع الى “ليالي الست” وذلك في رمضان وغيرها . وكثيرون من الفيحاء تصوروا أمام تلك الآلات الإلكترونية التي غزت حياتهم فأخذت منهم مأخذاً كببيراً، واجلستهم بالقرب من تلك الآلات الضخمة المعلبة في صناديق خشبية لا تزال حتى يومنا هذا تحفة الناظرين.  

ولكن كل ذلك كان يحصل في ساعة متقدمة من الليل ليمتد السهر حتى وقت الإمساك.