ونفهم أيضًا أن القوى الأمنية، التي كانت تؤدي واجبها للحؤول دون أي إعتداء يطاول الأملاك العامة والخاصة، هي نفسها التي كانت تواجه المتظاهرين من “ثورة تشرين” بالخشونة نفسها عندما كانت تُقطع الطرقات. ولكن ما لم نفهمه هو أن المسؤولين لم يستنفروا في حينه ولم يستفزهم منظر ضرب متظاهري جل الديب أو الذوق أو “الشيفروليه” أو “الرينغ” بأعقاب البنادق.
نفهم أيضًا أن يطلب فخامة الرئيس من القوى العسكرية والأمنية “العمل وفقا للمهام الملقاة على عاتقها وذلك ضمن الأنظمة والقوانين المرعية الاجراء”.
ويسأل سائل: لماذا كل هذه الحماسة عندما تتعرض فئة من المواطنين للضرب ولا نلمس أي “غيرة” من أحد من المسؤولين المستنفرين فئويًا اليوم عندما يتعرّض الآخرون للضرب نفسه؟ لماذا لا يرى المسؤول إلاّ بعين واحدة، ولماذا يكون صيف وشتاء على سطح واحد؟
لماذا لم يقارب رئيس الجمهورية موضوع الاشتباك القضائي واقتحام النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون لشركة “مكتّف” للصيرفة، إلاّ من زاوية الإشكال على الأرض، وليس في مسبباته؟
وكما في جاء في الإعلام فإن الرئيس عون لم يتطرق إلى ملف القاضية عون بتاتاً، إذ حصر حديثه بالتعامل الأمني مع المعتصمين وأجرى مقارنة بين تعامل القوى الأمنية مع المعتصمين في عوكر “بعنف وقسوة”، وتعاملها اللين مع معتصمين آخرين كانوا قد أغلقوا الطرقات في وقت سابق، واعتدوا على أملاك عامة وخاصة، وقال عون، وفق ما نقلت عنه بعض المصادر، “إن هذا الامر لا يجوز أن يتكرر”.
لكن الأخطر، بحسب مصادر المجتمعين، وكما تمّ تداوله في الإعلام، أنّ عون لم يتردد في تأليب الأجهزة الأمنية على بعضها البعض مستهدفاً بشكل خاص شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، على خلفية تصديها للعمليات التخريبية للممتلكات الخاصة التي قام بها مناصرو “التيار الوطني الحر” في عوكر، واعتداءاتهم المشهودة بالكسر والخلع على مكاتب شركة “مكتف”، من دون أي مسوغ قانوني ولا قضائي.
فهذا النهج الذي يتبعه العونيون في شق صفوف الأجهزة القضائية، يبدو أنه آخذ في التمدد باتجاه محاولة شق صفوف الأجهزة الأمنية من خلال منح رئيس الجمهورية حصانة رئاسية – قضائية – أمنية، لعمليات التخريب والاعتداء على الممتلكات التي يقوم بها مناصروه العونيون، مقابل تحذيره الأجهزة الأمنية من مغبة التعرض لهم في أي تحركات مستقبلية يقومون بها على الأرض كما حصل في عوكر.
هل بهذه الطريقة تكون المعالجات، وهل بتحميل جهة معينة من الأجهزة الأمنية مسؤولية التعرّض للمتظاهرين، الذين يحقّ لهم، أيًّا كان إنتماؤهم السياسي أو الحزبي، التعبير عن آرائهم، ولكن ضمن ما يفرضه القانون، وضمن إحترام حقوق الآخرين. فلا إغلاق الطرقات على الناس يجوز، وكذلك مرفوض التعرّض للأملاك العامة والخاصة. فالمخالف مخالف أيًّا تكن هويته السياسية، والمشاغب مشاغب أيًّا تكن أهدافه وغاياته.
المهم أن يتمّ التعامل مع الجميع بما يتناسب مع ما يفرضه الدستور لجهة حرية التعبير عن الرأي، أو لجهة عدم السماح بأي أعمال تخريبية، كما حصل في طرابلس وعوكر.