كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: تتوالى الانتكاسات على لبنان وشعبه العظيم، وكأن البلاد تعيش تحت تأثير “لعنة” لن تهدأ مفاعيلها إلا بخرابها وتحويل أهلها الى مجموعات من المتسولين يعيشون على نظام إعاشات فاعلي الخير من الدول الشقيقة والصديقة.
آخر هذه الانتكاسات، جاءت أمس من البوابة السعودية حيث أصدرت المملكة قرارا بمنع دخول إرساليات الفواكه والخضراوات اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها، وذلك بعدما أحبط الأمن السعودي عملية تهريب كبرى لملايين الحبوب المخدرة الموضبة بعناية في ثمار الرمان، الأمر الذي يشكل كارثة على الاقتصاد اللبناني.
بحسب المعلومات، فإن السعودية تعد الشريك التجاري الثاني للبنان على مستوى العالم، والشريك الأول على مستوى دول الخليج، ويشكل حجم التبادل بين البلدين أكثر من 40 بالمئة من حجم التجارة بين دول الخليج ولبنان، كما تعتبر السعودية سوقا مهما جدا للصادرات اللبنانية وفي مقدمتها المنتجات الزراعية التي تعود على لبنان بالعملة الخضراء (الدولار) الذي في حال أصرت المملكة على قرارها فإنه سيشهد مزيدا من الشح في الأسواق اللبنانية ما يعني إرتفاعا إضافيا في سعر الصرف.
اللافت في بلد العجائب والأنانيات، أن قرارا سعوديا خطيرا من هذا النوع من شأنه أن يضرب الزراعة اللبنانية برمتها وأن ينعكس تشريدا لآلاف العاملين في هذا القطاع وفي الشركات والمؤسسات المستفيدة منه، تم التعاطي معه من قبل السلطة السياسية كحدث عادي إستدعى الرد بأضعف الايمان من وزارة الخارجية ببيان كان “لزوم ما لا يلزم”، إضافة الى مواقف من بعض الوزراء لا تسمن ولا تغني من تصدير.
لا شك في أن قرارا من هذا النوع كان يستدعي إعلان حالة إستنفار كاملة يسارع من خلالها المسؤولون المعنيون بدءا من رأس الهرم لإجراء الاتصالات المطلوبة مع القيادة السعودية لشرح حقيقة الأمر خصوصا بعدما أكد رئيس نقابة مصدّري ومستوردي الفاكهة والخضار نعيم خليل أن “لا موسم رمان في لبنان، وبالتالي فإن الشحنة المضبوطة في السعودية ليست لبنانية بل مرّت بالترانزيت من سوريا عبر لبنان الى السعودية”، فضلا عن المسارعة بإجراء التحقيقات الفورية لمعرفة من هو المسؤول عن مرور هذه الكميات وإتخاذ الاجراءات المسلكية بحقه. لكن يبدو أن من يعنيهم الأمر، ربما لم يعرفوا بالقرار السعودي أو أنهم ينشغلون بملفات أكثر أهمية.
رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان من المفترض أن يجري إتصالا فوريا بالعاهل السعودي لترطيب الأجواء والعمل على حل هذه الأزمة، مشغول في كيفية تأمين الغطاء لتمرد غادة عون على المؤسسة القضائية، وحماية المتظاهرين البرتقاليين الذين يساندونها من أي عنف قد تمارسه القوى الأمنية تجاههم، وهو ما إستدعى من الرئيس عون دعوتهم لاجتماع طارئ لتنبيههم الى ضرورة حماية حرية التعبير، في حين لم يجد بعدَ صدور القرار السعودي ضرورة لدعوة المجلس الأعلى للدفاع للبحث في كارثة من شأنها أن تقضي على قطاع حيوي بكامله خصوصا إذا ما تضامنت دول خليجية مع السعودية وأصدرت قرارات مماثلة تجاه لبنان كما توقع وزير الزراعة عباس مرتضى.
رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ما يزال “سكرانا” برحلته الى قطر وما يمكن أن ينتج عنها من تقديم الدعم الى لبنان بما يخص البطاقة التموينية والنفط، وبالتالي فهو لم يحرك ساكنا حيال القرار السعودي.
الرئيس المكلف سعد الحريري يمضي وقته في تأليب الرأي العام الدولي والعربي على الرئيس عون وجبران باسيل بتهمة تعطيل الحكومة، ومن المعروف أن ليس بيده حيلة تجاه السعودية الغاضبة عليه.
رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل منشغل في معركة الوجود التي يخوضها للحصول على الثلث الحكومي المعطل والتي بالنسبة إليه أهم بكثير من معركة وجود لبنان وشعبه، وهو يستعد لمزيد من التصعيد في وجه الحريري في المؤتمر الصحافي الذي يعقده اليوم متحصنا ببعض الداتا التي تقول المعلومات أن غادة عون سربتها له بعد مصادرتها من شركة مكتف.
تقول مصادر مطلعة: إن براءة لبنان من “رمان المخدرات” واضحة للعيان بالأدلة والقرائن وهذا يحتاج الى سلطة حاضرة وواعية للتعاطي مع القيادة السعودية وشرح الملابسات لها، لكن يبدو أن أكبر إنتكاسة في لبنان هي في وجود سلطة سياسية محاصرة معزولة لم يعد أحد مستعد للتواصل معها أو الاستماع إليها في العالم.. وهذه هي الطامة الكبرى!.