كان ينقص هذا العهد ذو”الوجوه والأعتاب” أن يأتيه الجراد من حيث لم يكن يحسب له أي حساب لكي يكتمل النقل بالزعرور. وقد يقول قائل غدًا عند عجزهم عن مواجهة هذه الآفة الجديدة، التي تضاف على الآفات المكدّسة، “ما خلونا” نكافح موجة الجراد التي تغزو لبنان، بعدما غزاه جراد من نوع آخر، ولم يبقِ له إلاّ الفتات.
فلو عرف هذا الجراد السيىء الحظ أنه لن يجد شيئًا في لبنان، أو بالأحرى أن المسؤولين فيه لم يتركوا له شيئًا لكي يلتهمه، لكان غيّر وجهته وقصد بلادًا لا يزال فيها من الخيرات ما يكفي الجميع.
لقد سبقت المنظومة الحاكمة الجراد ولم تبقِ له ما يبّل به ريقه. فلا أخضر في لبنان (الدولار)، ولا يباس (الليرة). الدولار مع هذه المنظومة لم يعد أخضر، بل أصبح أشبه بالهواء الأصفر، والليرة التي لم تعد تكفي لشراء حاجة الفقير ولم تعد تساوي شيئًا، بعدما أكل جراد السلطة عافيتها وقوتها الشرائية، وبعدما أصبحت قيمتها بـ”تراب المصاري”.
لو قُيض لهذا الجراد الزاحف علينا كأهل السلطة أن يحتج، لكان تقدّم بشكوى إلى هيئة الأمم المتحدة ضد الدولة اللبنانية التي لم تترك له شيئًا ليؤكل، وضد الشعب اللبناني الذي ينافسه على ما يسدّ به جوع بطنه.
مهزلة ما بعدها مهزلة. هذا هو الواقع في لبنان، وهذا هو ما يشكو منه الجراد، الذي اصبح في الهمّ مع اللبناني واحدًا.
وما يزيد في الطين بلّة أن عجز هذه المنظومة عن محاربة الفساد بكل أوجهه، وعن ملاحقة مافيات تهريب المخدرات، وآخرها الكميات الكبيرة من حبوب الكبتاغون المصنّعة في معامل معروفة في لبنان والتي ضبطت من قبل الجمارك السعودية، والتي كانت مخبأة بكمية كبيرة من الرمان، مع أن الموسم ليس موسم رمان، الأمر الذي حدا بالسلطات السعودية إلى منع إستيراد الفاكهة والخضروات اللبنانية، وهذا ما زاد من مأساة المزارعين اللبنانيين، الذين يعانون ما يعانونه من عدم إكتراث أحد بهم وبمشاكلهم قبل هذا القرار.
المشكلة الأساسية أن لا دولة عندنا بالمعنى الحصري للكلمة. فلو كان في لبنان دولة، والدولة تعني هنا من هم على رأس هذه السلطة الممسكة بمفاصل مكونات هذه الدولة، لكان الوضع اليوم غير ما هو عليه، ولما كان اللبنانيون، الذين لا يزال قسم منهم يؤمن بأن الأرض أرضه ولن يتركها للغريب وللجراد، يفكرّون بالهجرة إلى “بلاد الله الواسعة”، وقد سبقهم إليها كثيرون.
لو كان في لبنان دولة لكان لديه اليوم حكومة قادرة على أن تلبي بعضًا مما يطالب به الشعب، ولكانت مضطرّة على القيام بما يطالبها به المجتمع الدولي من إصلاحات من شأنها أن تضع لبنان من جديد على خارطة الإهتمامات الدولية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر تحضرني قصيدة للشاعر موسى الزين شراره التي يشبه فيها حكّام لبنان بالجراد والعلق، وقد نظمها سنة 1951، حين اشيع أن الجراد يوشك أن يغزو لبنان، وفيها:
عُدْ يَا جَرَادُ… كَمَا أَتَيْتَ… فَعِنْدَنَا، عَلَقٌ يَمُصُّ دِمَاءَنَا… وَقِرَادُ مَا تَرْتَجِيْ؟… أَوْ مَا تُرِيْدُ؟؟… فَكُلُّنَا حَقْلٌ… وَكُلُّ الْحَاكِمِيْنَ جَرَادُ يَا أَيُّهَا الشَعْبُ الَّذِيْ أَمْسَى كَمَا تَهْوَى لَهُ الْأَعْدَاءُ… وَالْأَضْدَادُ مَا الِانْتِظَارُ بِمَنْ عَلَيْكَ… بِغَفْلَةٍ بِالرَغْمِ مِنْكَ، وَمِنْ إِبَائِكَ… سَادُوْا؟؟ لَوْلَا سُكُوْتُكَ عَنْهُمُ… مَا أَمْعَنُوْا فِيْ جَوْرِهِمْ… وَفَسَادِهِمْ… وَتَمَادُوْا لَوْلَا سُكُوْتُكَ… مَا بَنَوْا مِنْ فُقْرِنَا هَذِيْ الْقُصُوْرَ الشَاهِقَاتِ… وَشَادُوْا… وَبَنُوْكَ… إِنْ جَنَّ الدُجَى… نَهْبُ الطَوَى… نَامُوْا… وَأَعْتَابُ الْقُصُوْرِ وِسَادُ وَجَبَ الْجِهَادُ… فَمَا الْكَلَامُ بِنَافِعٍ مَلَّ النَ