في الأيام الماضية بنى التيار “الوطني الحر” خطابه السياسي والاعلامي على فكرة الدّعم المطلق لحراك القاضية غادة عون، معتبراً أن هذا الاستنفار القضائي الفردي يهدف الى استعادة أموال اللبنانيين والاستمرار في معركة مكافحة الفساد المزعومة، محاولاً الإيحاء بأن كل القوى السياسية التي تقف إمّا على الحياد او تعلن رفضها لهذا الحراك إنما تعمل ضد المصلحة الوطنية ومصلحة اللبنانيين، ساعياً الى الاستثمار في الشارع المسيحي من أجل استعادة جزء من شعبيته التي خسرها في السنوات الماضية.
لكنّ خطاب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والمطران الياس عودة اللذان يملكان تأثيراً كبيراً سواء معنوياً او سياسياً في الساحة المسيحية واللبنانية صوّب سهام الانتقاد نحو حراك عون على اعتبار انه ضرب لهيبة السلطة القضائية كركن أساسي من أركان الدولة اللبنانية، موجّهاً بذلك ضربة قاصمة للتيار “الوطني الحرّ”.
مما لا شكّ فيه أن “الوطني الحر” لا يستطيع الذهاب رسمياً وحتى النهاية في خوض معركة سياسية ضد المؤسسة الدينية في الشارع المسيحي، ويبدو أن خصوم التيار استطاعوا استيعاب هجمته الاعلامية والسياسية الأمر الذي تظهّر من خلال عدم فتح اشتباك جدّي معه، وترك الساحة للمرجعيات الدينية للتعليق بلهجة شديدة على خطورة ما آلت اليه الأمور من تشويه لصورة القضاء وانهيار سمعته.
وفق مصادر مطّلعة، فإنه من غير المقبول السماح للتيار “الوطني الحر” بالذهاب بعيدا في مسألة شدّ عصبه السياسي عبر فتح اشتباكات مع القوى السياسية التي نأت بنفسها عن الدخول في “معمعة” الجدال، وكذلك فإنه لا يملك أدوات التصعيد بوجه المؤسسات الدينية لأن هذا التصعيد من شأنه أن يؤدي الى خسائر اضافية في الشارع المسيحي الذي لا يزال حتى اليوم يحافظ على الميل الوجداني للمرجعيات الروحية ويضع حولها هالة احترام وتقدير ليس على المستوى الديني وحسب بل على المستوى السياسي والوطني أيضا.
ومن هنا يمكن القول بأن “الوطني الحر” إن لم يستفق حقاً في هذه المرحلة الدقيقة ويعي أصول التعاطي مع “الهزّة” الأخيرة فإنه سيخسر فرصته الوحيدة التي يطمح لها والمتمثلة باستجماع قواعده الشعبية من جديد.