يسيطر هاجس “سحب التكليف” من الرئيس سعد الحريري على فريق “العهد”، أو هذا على الأقلّ ما فُهِم من الخطاب الأخير لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي استعرض “سُبُل” تحقيق هذا الهدف، وخلُص إلى طريقة واحدة متوافرة، ألا وهي استقالة مجلس النواب، بما “يطيّر” التكليف وكلّ ما ترتّب عليه من مفاعيل.
ليست هذه المرّة الأولى التي يقارب فيها باسيل، أو حتّى رئيس الجمهورية ميشال عون، “سيناريوهات” تفضي إلى سحب التكليف. سبق أن أثير الموضوع مرارًا، فحُكي عن “فتاوى واجتهادات” يُعِدّ لها “مستشارو القصر”، ودار كلام عن “رسالة” يدرس رئيس الجمهورية توجيهها إلى النواب، وكلّها تتقاطع عند “سحب التكليف” بغية المضيّ إلى الأمام.
لكنّ “التيار” غضّ النظر عن كلّ هذه السيناريوهات، بعدما أدرك أنّها لن تقود سوى إلى “المجهول” الذي يمكن أن يولّده “مشكل” جديد برداءٍ طائفيّ ومذهبيّ، خصوصًا أنّ كلّ الخبراء الدستوريين والقانونيّين جزموا أنّها لا تمتّ إلى القانون والدستور بصلة، باعتبار أنّ الأخير لم “يقيّد” رئيس الحكومة المكلَّف بأيّ مهلة أو شرط لإنجاز مهمّته.
باسيل وجدها!
إلا أنّ باسيل بدا، في خطابه الأخير، كمن اكتشف “الحيلة” التي من شأنها أن تُنهي “التكليف” عن بكرة أبيه، وتتمثّل باستقالة مجلس النواب، في “مفارقة” لافتة تقاطع من خلالها رئيس “التيار الوطني الحر” مع مطالب المعارضة التي تدفع بكلّ ما أوتيت من قوة، نحو انتخابات مبكرة، تعيد إنتاج الطبقة السياسيّة برمّتها، بما “يفتح” باب الحلّ.
لكنّ العارِفين والمطّلِعين يجزمون أنّ باسيل لم “يتناغم” بكلامه مع المعارضة، بل على العكس من ذلك، هو أراد توظيف فكرة “الاستقالة” للضغط على الرئيس المكلَّف بغية “إحراجه”، لا أكثر ولا أقلّ، وذلك عبر الإيحاء بأنّ هناك طريقة لـ”سحب التكليف” منه، ولو أنّ هذه الطريقة من شأنها “حلّ” البرلمان بكلّ ما فيه من كتلٍ نيابيّة، وعلى رأسها تكتّله الذي بات فاقدًا للحلفاء.
من هنا، يُعتقَد أنّ ما طرحه باسيل لم يكن جدّيًا، بقدر ما جاء ضمن “المناورات” المُستخدَمة في ملف تشكيل الحكومة، وعلى قاعدة “تسجيل النقاط” الذي يحاول رئيس “التيار الوطني الحر” أن يعتمده منذ اليوم الأول، خصوصًا أنّ كلّ المؤشرات التي أوحت بها كلمة باسيل نفسه، دلّت على أنّ الأزمة الحكوميّة تتفاقم، بعيدًا عن كلّ ما أشيع عن “إيجابيّة” بقيت حبرًا على ورق.
الفكرة غير واردة!
أبعد من كلام باسيل عن استقالة مجلس النواب، والتأويلات السياسيّة التي أعطيت له، يؤكّد العارفون أنّ “الفكرة غير واردة بالمُطلَق” بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر”، بل إنّها تكاد تكون “منبوذة” جملةً وتفصيلاً، خصوصًا أنّ “التيار” يخشى أن تطيح الانتخابات بكلّ خطابه وأدبيّاته، إذا ما فضحت تراجعًا في شعبيّته تنبئ به التقديرات والاستطلاعات.
ويكفي للدلالة على ذلك التوقف عند مقاربة “التيار” للانتخابات الفرعية التي نجمت عن شغور عشرة مقاعد في مجلس النواب، بسبب الاستقالة أو الوفاة. فعلى الرغم من أنّ هذا الاستحقاق “واجب دستوري” وليس “وجهة نظر”، إلا أنّ المرسوم المتعلق به لا يزال “عالِقًا” عند أبواب رئيس الجمهورية، الذي بدأ يطرح إشكاليّات دستوريّة تتعلّق بقانون الانتخابات لإرجائه، لا ينبغي أصلاً أن تكون خاضعة للنقاش في دوائر الرئاسة.
وأكثر من ذلك، يخشى العارفون أن يكون “مصير” الانتخابات النيابية العامة المفترضة العام المقبل شبيهة بتلك الفرعيّة المفترضة منذ أواخر العام الماضي، خصوصًا أنّ باسيل قدّم في مؤتمره الصحافي الأخير “أطروحة” حول “مساوئ” إجراء الانتخابات، تكاد تكون “موازية” للأسباب الموجِبة التي أعطيت يومًا للتمديد للبرلمان، والتي أوحى “التيار” وقتها، في مفارقة ملفتة أخرى، رفضه لها، من باب “إيمانه” بمبدأ “لا للتمديد” الذي يرفعه المجتمع المدني.
صحيح أنّ باسيل لا يخفي رغبته بـ”سحب التكليف” من الحريري بأيّ وسيلة من الوسائل، وصحيح أنّ “الغاية تبرّر الوسيلة”، ما قد يعني “تشريع” استقالة مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات مبكرة، إذا ما كانت النتيجة “تطيير” الرئيس المكلَّف. لكنّ الأصحّ من كلّ ذلك أن باسيل يخشى انتخابات قد “تطيّر” ما بقي من “قيادته” و”أكثريّته”، ما يجعل من الاحتمال “بعيد المنال”، إن لم يكن “سابع المستحيلات”!