كتب طوني عيسى في” الجمهورية“: في مثل هذه الأيام، نيسان من العام 2005، خرج جنود الرئيس بشّار الأسد من لبنان. كانت تلك لحظة تاريخية للبنانيين، كما للأسد، ومفصلية للأميركيين والفرنسيين والسعوديين. لكن أحداً لم يعتبرها نهايةً للحرب.
على مدى 16 عاماً، تردَّدت في الأوساط الحليفة لدمشق مراراً عبارة «تصحيح خطأ 2005». والمقصود أنّ الأسد أُخِذ «على حين غفلة» آنذاك، في لحظةٍ اختلَّت فيها التوازنات التي كانت قائمة، وفُرِض عليه الانسحاب من لبنان، ولم يكن قد اقتنع (بَعد) بأنّ الوقت قد حان لينسحب.
إذاً، يريد الأسد تصحيح «الخطأ»، في أي لحظة تتيح له الظروف أن يفعل ذلك، خصوصاً أنّه تجاوز انتكاساته وحروبه الداخلية. وحلفاؤه اللبنانيون يدعمون خياراته على الأرجح.
لكن الجميع يدركون أنّ عودة سوريا بقواها العسكرية وجبروتها الأمني ووصايتها السياسية والاقتصادية شبه مستحيلة، لأنّ الظروف تغيّرت في سوريا ولبنان والمنطقة والعالم. إنما، هناك ثوابت في اللعبة لم تتغيَّر، وهي تترك المجال مفتوحاً لبعض النفوذ السوري.
على مدى عقود، باع الأسد موادَّ مختلفة للغرب مقابل إمساكه بالورقة اللبنانية، ومنها: استقرار لبنان، ضبط الخلايا الإرهابية، ضبط العمل الفلسطيني المسلّح والتهدئة في الجولان… وهذه الموادُّ ما زالت صالحة للبيع إذا وُجِد الشاري، وهو يمكن أن ينوجِد في أي لحظة. والأرض في لبنان مؤاتية جداً، لأنّ كل محاولات تأسيس الدولة، من دون وصاية، منذ العام 2005، انتهت إلى الفشل.
ثلاثة عقود مرّت بعد اتفاق الطائف، نِصفُها تحتَ وصاية السوريين (وسواهم ضمناً) ونِصفُها الآخر من دون وصايتهم (ولكن بوصاياتٍ كثيرة أخرى)، وما زال مشروع الدولة الـ»بلا وصايات» بعيد المنال جداً. وهذا ما ذكّر بمقولةِ الرئيس الياس الهراوي: «نحن شعبٌ لم يبلغ سنَّ الرشد».
اليوم، إيران أُمٌ شرعية للبعض، وسوريا أُمٌ لآخرين. والبعض يشكو لفرنسا وواشنطن مأزق تأليف الحكومة ويطلب المساعدة أو الوساطة للاحتماء من قوى لبنانية أخرى، فيقفز آخرون ليوسِّطوا موسكو أو يستقووا ببكين.
الطوائف قاصرة، والأحزاب والزعامات قاصرة، والدولة كذلك: قاصرةٌ بالمال، تستجدي الدول وبنكَها وصندوقَ نقدِها لمواجهة الجوع. وقاصرةٌ بأمنها «لا تمون» على شيء: من قرار الحرب والسلم مع إسرائيل إلى حبة الكبتاغون وصهريج المازوت. وقاصرةٌ بدستورها وقضائها وقوانينها: من التدقيق الجنائي إلى زلزال المرفأ.
في هذه الحال، إلا يُخشى أن ينبري أحدٌ ويقول: ما دام البلد قاصراً، والعناية به مُتعِبة، سَلِّموني أمورَه بتلزيمٍ جديد، فيريحُ الجميعَ ويستريح!