كتب جورج شاهين في ” الجمهورية”: نصح اكثر من تقرير ديبلوماسي عربي وغربي منذ سنوات عدة، أعقبت الشغور الرئاسي وبداية العهد الجديد، القيادات اللبنانية بضرورة التنبّه الى خطورة الدرك الذي يمكن ان يقود اليه سوء العلاقات مع دول الخليج العربي عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً. ولم يغفل بعض هذه التقارير التحذير الواضح والصريح من تطور الامور بنحو خطير، عقب استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض في الرابع من تشرين الثاني 2017، والشروط التي رافقت تجاوز هذا الحادث وعودة الحريري الى ممارسة نشاطه.
فما حصل لاحقاً، اثبت انّ تداعيات ما شهدته الرياض لم تُطوّق نهائياً، وانّ تردداتها السلبية بقيت تتفاعل في الكواليس الديبلوماسية والسياسية، وزاد منها انهيار التوقعات التي تحدث عنها أطراف “تسوية العام 2016 السياسية” الذين تعهدوا للمملكة بأنّ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية سيأتي به الى “المنطقة الوسطية”، ولن يكون طرفاً معادياً لدول الحلف الدولي ومجموعة دول الخليج العربي في مواجهتها مع إيران. وما زاد في الطين بلّة، تهاوي تعهدات اللبنانيين امام القيادة السعودية والمجتمع الدولي، وخصوصاً الدول التي رعت الحل لإخراج الحريري من الرياض.
وإن عاد الجميع الى البيان الذي تلاه الحريري بعد عودته عن الاستقالة، عقب جلسة مجلس الوزراء في 5 كانون الأول 2017 في قصر بعبدا، يثبت انّ الجرح لم يندمل، وانّ الزغل ما زال قائماً.
حمّلت الرياض رئيس الحكومة سعد الحريري أكثر من غيره مسؤولية فشله في حماية ما تعهّدت به حكومته، ونسبت اليه مواقف “متردّدة” لمنع تفاقم الأمور ولجم تصرفات “حزب الله” واركان من اهل الحكم، قادت حكومته برضاه او رغماً عنه، الى التراجع عن تلك التعهدات وعدم وضع حدّ لها، رغم كل الجهود التي بذلها. ولم ينسَ السعوديون في تلك المرحلة ان سجّلوا على أركان التسوية السياسية التي ولدت عام 2016، وجاءت بعون الى رئاسة الجمهورية بحلف معلن مع “التيار الوطني الحر” وغير معلن مع “حزب الله”، دورهم السلبي في منع الإنحراف بسياسة لبنان الخارجية التي قادها وزير الخارجية جبران باسيل في تلك المرحلة.
لن يكون من السهل على أحد ربط الإجراءات السعودية باكتشاف عملية “الرمان المخدّر”. فالقرار سياسي قبل ان يكون أمنياً.
لذلك لن يكون من السهل معالجة هذه القضية بقرار امني او بمهمة يقوم بها وزير الداخلية العميد محمد فهمي. فالمعالجة ليست بهذه البساطة، ولن تكون بمقاربة الملف باتصالات من وزير الى وزير، وانّ الصعوبة تكمن انّ ما هو مطلوب من الحكومة اللبنانية اكبر بكثير من قدراتها.
وختاماً، لا بدّ للمسؤولين اللبنانيين، ان يستعدوا للأسوأ. فالمقاطعة السعودية التي طاولت المنتوجات الزراعية قد تتوسع لاحقاً الى دول خليجية. فلا ينسى احد انّ انتاج المستوطنات الاسرائيلية في الجولان المحتل قد غزا اسواق بعض دول الخليج. فما الذي سيكون عليه الوضع ان استعاضوا عن كل ما ينتج من شبيهاتها في لبنان؟!