فالكلام عن الذهاب شرقاً، اقتصادياً وسياسياً، تطوّر منذ أن أصبح للتيار حضوره عبر وزارة الخارجية وحين أصبح تيار العهد، بعدما كان الهدف أسواق أوروبا وبلاد الانتشار الغربي، لكنه أظهر أنه يذهب هباءً عند أول استحقاق سياسي فعلي. وما حصل في الأيام الأخيرة دليل واضح على أن الغرب، بالمعنى الاستراتيجي، هو الذي لا يزال يملك الدالّة الأكبر على القوى السياسية، فكيف إذا كانت مرشحة للرئاسة. فروسيا ليست مؤثرة أولاً بالتشكيلة الحكومية، إلا بمقدار علاقاتها بالرياض وطهران (وفرنسا إلى حد ما) وهما الأكثر نفوذاً في هذا الملف. وهي ليست الناخب الأول في انتخابات رئاسة الجمهورية، ودورها في لبنان استمر محتفظاً بتوازناته، من دون أي خلافات مع القوى السياسية كافةً، فضلاً عن أن روسيا لا يمكن أن تخلّ بعلاقاتها الخليجية والعربية، ولديها الكثير من الآمال المعلّقة على مشاريع اقتصادية وعسكرية فيها، فلا تنحاز لبنانياً لأيّ فريق على حساب حضورها الخليجي. أما التوجه شرقاً، بالمعنى الاقتصادي والسياسي من جانب التيار، فهو كلام أثبت عدم جدواه عند الاستحقاقات الفعلية، وأظهر خلال السنوات الأخيرة أنه مجرد لافتة كبيرة، تشمل وضع مسيحيي الشرق واللاجئين السوريين (والدور الإقليمي لروسيا وتحديداً في سوريا) من دون أي ترجمة عملية حتى الساعة، طالما أن كل عمليات التمويل للمؤتمرات المتعلقة باللاجئين هي غربية ــــ خليجية. أبعد من ذلك، أي إشارة إلى احتمال زيارة لباريس، رغم كل محاولاتها الفاشلة في تقديم حلول للأزمة الراهنة، لفكّ العزلة والتضييق العربي والأوروبي، تلغي بشحطة قلم كل الأدبيات حول التوجه الى الشرق. فكيف الحال إذا كان الأمر متعلقاً بالعقوبات الأميركية وبانتخابات الرئاسة المقبلة، وتغييب اللقلوق عن جدول أعمال الدبلوماسية الأميركية، حينها ينتقل الكلام السياسي الجدي من مستوى الى آخر يتعلّق برفض توقيع مرسوم الحدود البحرية أو طرح التفاوض السياسي ــــ العسكري مع إسرائيل.