انعكاسات اجتماعية كبيرة وتغيرات في سلوك اللبنانيين.. هو زمن فقدان العافية والخوف

30 أبريل 2021
انعكاسات اجتماعية كبيرة وتغيرات في سلوك اللبنانيين.. هو زمن فقدان العافية والخوف

لم يكن كلام البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي جديدا في مضمونه لجهة الإشارة بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون إلى” أن  البلد ينهار يوما بعد يوم،  وأن هناك  زيادة في الفقر والجوع وأكثر من نصف الشعب اللبناني اصبح تحت خط الفقر، في وقت كانت نسبة الطبقة المتوسطة في لبنان حتى عام 1980 ،80% وانه لذلك كان هناك استقرار، اما اليوم فقد غابت هذه الطبقة وهذا دليل عل انهيار لبنان”.











ولكن مجددا وضع البطريرك الراعي يده على جرح يعلو صراخ الناس جراءه وليست مجدية العودة إلى قراءة الأمور سياسيا ، فالتاثيرات المجتمعية هي التي ستطبع واقع لبنان في المرحلة المقبلة بمعنى إننا سنكون أمام لبنان جديد وشعب بمواصفات مختلفة سواء عن تلك التي عاشها قبل الحرب أو بعد الانتكاسة المالية والاقتصادية التي يشهدها منذ سنة ونيف.

ففي كل المتابعات ثمة قلق على مجتمع قد يكون عاجزا ماليا ومعيشيا ثم عن التداوي في أخطر نتائج الأزمة،  ومن المتوقع هنا ان يؤدي ذلك حكما إلى انتشار رقعة الأمراض وارتفاع عدد الوفيات ، فمن يخشى اليوم شراء طعام بعدد من مئات الالاف من الليرات لا بد انه سيجد صعوبة في التداوي بكلفة تصل إلى عشرات الملايين ، ويحصل فعلا أن استهتار الناس بواقعهم الصحي صار عادة تنمو في مجتمعاتنا وهذا خطر داهم في بلد سيفقد فيه الناس العافية .

وبالطبع يحصل ان لبنان بدأ يفقد عاداته الغذائية والأخرى السياحية وحتى على مستوى اللباس ، فنحن نخسر مجتمعا لنبني مجهولا ، وربما في المستقبل القريب سيكون لبنان أمام تطورات مجتمعية أخرى ولكن البوادر رديئة.

عطية 
الأستاذ الجامعي عاطف عطية قال في معرض قراءة الواقع الاجتماعي العام” ان مؤثرات كثيرة ترخي بظلالها على الشعب اللبناني”، مبديا اعتقاده “أن التغافل عن الحرب الأهلية وانعكاساتها أمر في غير محله”. ويتابع قائلا: نحن نعيش اليوم زمن جائحة كورونا التي تتسبب بسلوك اجتماعي جديد ناتج عن الحجر المنزلي، وذلك على الرغم من عدم التزام شريحة كبيرة من الناس في البقاء بالمنازل، وهم يتحملون مسؤولية ذلك. وأقول بصراحة، إننا لا نعيش على حافة الانهيار، بل ننهار، وربما ليس من قعر سنصل إليه. هذا بالإضافة إلى أننا نعيش كلنا عوامل نفسية تصل إلى حد الخوف والرعب من هذا الواقع الجديد النفسي والاجتماعي. وبدأنا نشهد أنماطاً سلوكية مجتمعية تتمثل بالإكتفاء السلبي للبقاء على قيد الحياة، أي الحصول على أدنى حد ممكن من وسائل العيش، خلافا لما درج عليه اللبناني الذي يهتم بكل التفاصيل، وبأفضل إمكانية في ممارسة حياته اليومية. وفي طرابلس، ومنذ زمن، ثمة فئة كبرى جاعت فعلاً، وإن كانت بعض المساعدات تلعب دوراً مهماً في مساندة المجتمع ودعمه. والمساعدات هذه ما هي إلا مبادرات محلية، من مؤسسات وأفراد، مقيمين ومغتربين، وإن بقيت محدودة، فإنها تحول دون حصول المزيد من البؤس والجوع. 
ويتابع عطية: كما أننا نراقب واقع التجارة في المدينة. فهي لم تصل إلى هذه الدرجة من الجمود منذ تكوين لبنان الحديث. ذلك ان المدينة عموماً تعرف بانتشار قطاعها التجاري والخدماتي. وازدهار هذين القطاعين يدل على ازدهار المدينة وبحبوحتها، وتخلفهما يدل على فقر المدينة وعجزها. وإضافة إلى ما ذكرنا فان جائجة الكورونا وانهيارنا الاقتصادي الناشئين عن فيروس صحي قاتل وسوء الأداء السياسي أوصلا القطاع التجاري والخدماتي إلى الانهيار، لعدم قدرة المستهلكين على اقتناء ما يعتبر كمالياً في حياتهم اليومية، وهو ما سيوصل مؤسسات كثيرة إلى الإفلاس مثل محلات الالبسة والأحذية وبيع السيارات والسجاد والمفروشات وغيرها. هذه كلها مؤسسات شبه معطلة ما يجعلنا فعلاً نعيش واقعاً مؤسفاً وصعباً. واذا اردنا ان نتحدث عن متغيرات ولو بسيطة، فيمكننا أن نسجل إقبال الناس على الزراعة، بعد إهمال مديد للأراضي الزراعية. هنا نلمس انتقالاً ولو ضعيفاً من الناحية الاقتصادية. فقد بدأ يزدهر قطاع الزراعة، ما يضفي على انتاجنا دعماً جديداً يخفف من حدة الاستهلاك المستورد. كما بدأ الاقتصاد اللبناني يتحول من ريعي يقوم على التجارة والعمولة والخدمات إلى بداية اقتصاد انتاجي بدأ بالزراعة وبالاعتماد على النفس في مسائل كثيرة للتخفيف من الاستيراد بالعملة الصعبة. هذا مؤشر جيد، وإن لا يزال ضعيفاً. كما ان كل مرافقنا تعطلت من منشآت نفط وانتاجه، ومحطات سكك الحديد والإنتاج الصناعي. حتى على المستوى الشخصي تراخينا واعتمدنا على الخدمات العامة. ويكفي أن ننظر إلى المدينة الصناعية في البحصاص، والهجرة الكثيفة، لنتبين حدة الأزمة التي تعيشها منطقتنا ولبنان ككل.

اضاف : في طرابلس هناك واقع قديم جديد يتمثل بالهوة الواسعة بين المقتدرين والفقراء فالمعدمين. والأمور هنا معقدة بعض الشيء فالمتغيرات المالية ستشكل تغيراً واضحاً وقاسياً مجتمعيا. فهناك من كان يتقاضى خمسة آلاف دولار شهرياً، صارت قيمة راتبه أربعمئة دولار. لننظر هنا إلى الحد الأدنى للأجور، وأين أصبح. هكذا ستفرض الأمور المستجدة فقراً قاسياً على من كان يعيش في نوع من البحبوحة. هذا ما سيجعل المجتمع يسير بسرعة إلى الفقر فالتخلف. وما سيجعل الفرد منا مشغولاً فقط في كيفية تدبير أمور حياته، ويصير الهم الأساسي تأمين لقمة العيش وتدبير أمور الصحة والمرض. وكل ما عدا ذلك لا يدخل في دائرة الاهتمام. هل ثمة وضع يمكن أن يكون سيئاً أكثر من ذلك؟ هنا لا نعرف متى يمكن أن يحصل الانفجار الكبير. وما الأحداث التي تسجل هنا وهناك إلا بمثابة نتاج للحالة التي وصلنا إليها. خلاف دموي على أحقية مرور ووقوع ضحايا بالجملة، سرقات عنفية، وظواهر أخرى عديدة.
إنه قهر مجتمعي وبوادر مستجدات ستكون أكثر تأثيراً في المستقبل، وستنعكس تفلتاً يتطلب منا قيادة حازمة على المستويين السياسي والاجتماعي، لأن الحاجة هي لمن يسهم في تغيير الأمور إيجاباً.

ونقول اخيرا إن الامور تبقى  قابلة لكل متغير ولكن في كل الاحوال ستعاني المجتمعات التي تعرف بالاكتظاظ نتائج إضافية لما رتبته مرحلة التدهور الاقتصادي والمالي حيث ستنشا خصال جديدة للناس تتأثر بداية ثم تتاقلم وعادة ما يحصل ذلك بشكل سلبي .