ما تحدثه “الحرب العالمية الثالثة المسمّاة “كورونا”او ” “كوفيد ـ 19” من أضرار في البشر والحجر والعالم باسره لم تحدثه الحربان العالميتان الأولى والثانية.
في هذه الحرب لا إستثناءات، بل هي تشمل الكرة الأرضية بإسرها، ولم تسلم من أذاها قارة واحدة من القارات، وإن كانت الأضرار نسبية بين قارة وأخرى، وبين بلد وآخر، فيما إقتصرت حربا العام 1914 وحرب العام 1943 على عدد محدود من الدول التي دخلت في هاتين الحربين.
صحيح أن بعض آثار الحربين الأولى والثانية لا تزال معالمها واضحة، أقله قبل وبعد مشروع مارشال، الذي أعاد إعمار الدول الأوروبية التي خاضت غمار الحرب الثانية، لكن شعوب هذه الدول ما لبثت أن نهضت من تعثرها الإقتصادي، وعادت لتحتل الصدارة بين الدول المتقدمة، ومن بينها ألمانيا بعد توحيد شطريها، وكل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، مع بقاء معظم الدول الأوروبية الشرقية تحت التأثير المباشر للإتحاد السوفياتي.
أمّا اليوم، فإن أضرار “الحرب العالمية الثالثة” فهي شاملة بأضرارها ومآسيها، وهذه نماذج منها :
1-أكثر من 150 مليون إصابة في العالم منذ اكتشاف الفيروس بالصين في كانون الأول 2019، بما في ذلك ستة ملايين إصابة سُجّلت خلال أسبوع واحد، بحسب بيانات رسمية عالمية اعلنت قبل يومين.
2-“غارات الفيروس” تجتاح العالم باسره وجديدها المدمر 821 ألف إصابة جديدة في اليوم، في عدد ارتفع أكثر من الضعف منذ منتصف شباط حين كانت تُسجّل 350 ألف إصابة يومياً.
3-تنقل “الغارات الفيروسية الكثيفة” من بلد الى اخر مع تسجيل سلالات جديدة متحورة، وآخر “المعارك الطاحنة “تدور على خط الهند التي سجلت 385 ألف إصابة جديدة في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، في عدد قياسي عالمي ونحو 3500 وفاة.
4-ويفيد المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أميركا اللاتينية بأن عدد الوفيّات اليومية في البرازيل لم ينزل عن 2000 منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وأن العدد الإجمالي مقارنة بعدد السكان تجاوز الولايات المتحدة، وبلغ ستة أضعاف ما هو عليه في الهند.
5-صفارات الانذار التي تطلق لتحذير الناس من الخروج تشبه اصوات الانذارات التي كانت تسبق غارات الحرب العالمية الاولى والثانية ايضا.
6-حروب اللقاح مستعرة بين الدول والفيتوات المتبادلة على” الاستثمار في العلاج” اشبح بحروب نووية مدمرة تستخدم فيها كل الاسلحة وفي كل مكان، بما فيها “اروقة الامم المتحدة”.
فرض فيروس كورونا على البشرية جمعاء أنماطًا جديدة من التعايش معه، بعدما وصلت ضحاياه في الأقطار الأربعة إلى أرقام مخيفة، وفرض أيضًا إستنفارًا غير مسبوق، إذ إضطّرت شعوب الأرض إلى إدخال تغييرات كثيرة على يوميات حياتها، بعدما أصبح العالم بأسره شبيها بسجن كبير. فلا علاقات مباشرة بين الإنسان وأخيه الإنسان، إذ إقتصرت الواجبات الإجتماعية على التواصل عن بعد بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي، مع التشديد على التباعد الإجتماعي في الأمكنة العامة وإلتزام وضع الكمامات، والتقيد بالنظافة الدائمة وتطهير كل المواد الإستهلاكية، مع إستمرار القلق من تزايد ظواهر هذا الفيروس الخطير، الذي لم يسبق له مثيل في العالم من قبل.
إنها الحرب العالمية الثالثة، التي يقف الإنسان أمامها عاجزًا، على رغم تعميم فائدة التلقيحات الوقائية وغير القاتلة لهذا الفيروس المقلق، والذي ينشر الذعر حيثما حلّ.
ومن بين الأضرار التي يخّلفها وراءه هذه الفيروس تراجع الوضع الإقتصادي في العالم كله، وإنهيار قطاعات خدماتية أساسية كالفنادق والمطاعم، ناهيك عن تأثيراته على القطاع التربوي، على رغم الجهود المبذولة، والتي لا تزال محصورة ضمن نطاق محدود قياسًا إلى حجم المخاطر الناجمة عن جائحة كورونا.
إنها الحرب العالمية الثالثة، التي منعت الشعوب من تبادل التحية بواسطة الأيادي، وحرمت الأمهات من ضمّ فلذات الأكباد إلى صدورهن، وحالت دون السفر إلى الأماكن التي كان تدرج في خانة الترفيه والسياحة الدينية.
زميل صديق لي إعتاد السفر في كل سنة وبهذا الشهر المريمي إلى مزار سيدة لورد في فرنسا، قال لي وفي قلبه حسرة وفي صوته غصّة: كم أحزنني مشهد خلو ساحة لورد من المؤمنين، الذين كانوا يقصدون المكان المقدس للتبرك وطلب الشفاعة بالملايين.
هكذا هي الحال في كل مكان. وهذه هي حالنا مع هذا الفيروس المخيف والخطير.