باتت الخيارات شبه معدومة أمام اللبنانيين الذين استشرست عليهم الأزمة وأحكمت قبضتها على رقابهم ما جعلهم يعيشون حالة يمكن توصيفها بأنّها حالة “موت سريري” بانتظار العلاج الموعود والذي قد لا يأتي أبداً.
لم يعد يعني اللبنانيين من يشكّل الحكومة ومن يشارك بتسمية هذا الوزير أو ذاك، وليسوا بمعرض “تشغيل رأسهم” بحسابات عدد وزراء الحكومة العتيدة أو طريقة تقسيمها على الطوائف والمذاهب والأحزاب، ولا الدراسات الدستورية والفتاوى والمطالعات المضادة، ولا من غادر بيروت إلى موسكو أو إلى روما أو أبو ظبي أو أيّ عاصمة في العالم وبمن التقى وماذا صرّح.
وعلى الرغم من الواقع السوداوي الذي يلفّ المشهد من كافة جوانبه، يراهن بعض اللبنانيين على “التغيير الديمقراطي” من خلال صندوق الاقتراع، عسى ولعلّ أن تكون الانتخابات النيابية المقبلة حجر الزاوية التي سيبني عليها اللبنانيون خلاصهم من طبقة سرقت أموالهم وجنى أعمارهم وعاثت بهم فساداً طيلة سنوات.
وكان العديد من القوى السياسية سواء الحزبية أو المنضوية تحت مسمّى “الثورة” أم المجتمع المدني، دعا إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة من خلال تقصير ولاية المجلس الحالي الذي “فقد شرعيته” في الشارع بعد “ثورة 17 تشرين”.
إلا أنّ المماطلة كانت سيّدة الموقف، فأصبح أقصى من يمكن أن يطمح إليه اللبنانيون أن تجرى الانتخابات النيابية في موعدها عام 2022 وألا يقعوا في “فخّ التمديد” الذي نصبه لهم مجلس العام 2009، الذي لم يرحل عنهم إلا بعد 9 أعوام وتحديداً عام 2018 حين أجريت الانتخابات النيابية الأخيرة.
منذ أيام، بادر الناشط السياسي، بسام غنطوس، إلى الإعلان عن قرار خوضه الانتخابات النيابية المقبلة ليكون بذلك أوّل مرشّح يعلن بشكل رسمي قراره بالمشاركة في الاستحقاق النيابي، مشيراً إلى أنّ قراره “يأتي استكمالًا لقرار الانتفاضة على منظومة الفساد إبتداءً من عام 2016 مرورًا بخوض الانتخابات النيابية ترشيحًا عام 2018”.
وغنطوس هو أحد مؤسّسي “حزب سبعة”، لكنّه عاد وانفصل عنه في العام الماضي، وقد خاض الانتخابات النيابية عام 2018 ضمن لوائح ما عرف باسم “تحالف وطني” الذي ضمّ مرشحين مستقلين في مختلف المناطق اللبنانية، حيث كان مرشحاً عن قضاء الكورة في دائرة الشمال الثالثة التي تضمّ أقضية الكورة والبترون وبشرّي وزغرتا.
يؤكّد غنطوس أنّ تجربة الانتخابات الأخيرة “كانت المواجهة الأولى مع هذه المنظومة في صناديق الاقتراع”، لافتاً إلى أنّها “كانت جيدة بشكل عام، فقد كسرت حاجز الخوف وانتقلنا معها إلى معركة الوصول إلى السلطة لصناعة التغيير رغم الشوائب العديدة في التحضير والتنظيم”.
غنطوس يشدّد في حديث لـ”لبنان 24″ على أنّه يعوّل على “وعي اللبنانيين في الانتخابات المقبلة وذلك لإسقاط هذه المنظومة وانتاج طبقة سياسية صادقة”.
وعمّا إذا كان لا يزال من المبكر التفكير في الانتخابات النيابية الآن، يجيب أنّ “الهدف هو تحمل المسؤولية في مواجهة هذه المنظومة، ولم يعد الوقت مبكرًا لبدء المعركة الانتخابية ونحن على مسافة 12 شهرًا من الاستحقاق”، مرجّحاً أن يتمّ خوضها على القانون النافذ حالياً القائم على النسبية ضمن دوائر متوسّطة وصوت تفضيلي في القضاء.
وقانون انتخابات الـ2018 يفرض على المرشحين أن يكونوا ضمن لوائح مقفلة، وفي هذا الصدد يشير غنطوس إلى “أنّنا نسعى لتحقيق تحالف عريض على مساحة الوطن، ونحن على تنسيق دائم مع المستقلين في دائة الشمال الثالثة”.
أمّا عن أبرز عناوين البرنامج الانتخابي الذي يسعى لتحقيقه، فيلخّصها غنطوس بعدد من النقاط وهي:
– تطبيق الدستور والقوانين وفقًا لمبدأ المواطنة.
– شرح وإزالة بعض مواد الدستور وذلك بسبب غموضها واستغلالها من قبل الطبقة السياسية.
– تحديث الإدارة العامة ومكافحة البيروقراطية التي تؤدي إلى تعطيل مصالح الشعب.
– تطبيق مبدأ فصل السلطات وتعاونها.
– إصدار قوانين لمكافحة الفساد.
– صياغة قانون انتخابي عصري يؤمن صحة التمثيل والعمل على إنشاء هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات.
– وضع سياسة مالية واقتصادية تعزز قطاعات الإنتاج وتعيد الثقة بالقطاع المصرفي والعملة الوطنية.
– صون كافة الحقوق والحريات العامة والخاصة من ضمنها حرية التعبير عن الرأي تطبيقًا للدستور اللبناني وشرعة حقوق الانسان.
– العمل بالمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الانسان بما يضمن المصلحة الوطنية واحترام السيادة كاملة.
– وضع سياسة دفاعية وطنية بوجه كافة الأخطار والتعديات الخارجية وعلى راسها الكيان الاسرائيلي.
ويستبعد غنطوس أن يتمّ التمديد للمجلس النيابي الحالي، معتبراً أنّه “وفي حال فرض التمديد فإنّه لن يمّر والشارع سيكون له بالمرصاد”.
تمرّ الأيام قاسية على اللبنانيين وهو يعانون ما يعانوه من أزمات صحية ومعيشية واجتماعية واقتصادية في ظلّ انسداد الأفق السياسي وانعدام الحلول، لكنّ “ورقة الاقتراع” ستكون بيدهم في الانتخابات المقبلة إذا أرادوا ترجمة ما نادوا به في 17 تشرين إلى واقع ملموس وإحداث تغيير جذري من خلال اختيار أسماء جديدة تمثّلهم و”لا تمثّل عليهم” في المجلس النيابي وتكون بالفعل صوتهم التغييري في سبيل بناء الوطن الذي يطمحون إليه.. فهل يقلب اللبنانيون الطاولة هذه المرة و”يثورون” انتخابياً على “زعمائهم”؟