هي النسخة الهندية لمتحور رابع عالمي من فيروس كورونا، ولبنان حتماً ليس بمنأى عنه. طفرتان بريطانية وبرازيلية إجتمعت بهذه النسخة، حتى فتك كورونا بالهند، وإنهار النظام الصحي أمام هول الجثث المكدسة بإنتظار إحراقها. المشهد صادم، وإن كان العالم إعتاد عداد مرتفع لإصابات كورونا والوفيات، فماذا عن لبنان، الذي يشهد إنخفاضاً ملحوظاً في أعداد الاصابات، كيف نحمي أنفسنا من خطر الحدود والآتين من دول شهدت هذه الطفرة، لكي لا نصل الى ما وصلت اليه الهند.. هل سننجو؟.
عوامل عدة أكسبت الفيروس الهندي المتحور قدرة أكبر على الانتقال والانتشار، ومنها العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العالم، وبالتالي فإنّنا في لبنان معرضون بطبيعة الحال لهذا المتحور بإنتقاله إمّا مباشرة من الهند أو من خلال رحلات من بلدان اخرى أصابها المتحور الجديد. من هنا، عملت وزارة الصحة واللجان المتابعة الى إتخاذ إجراءات تقضي بحجر الآتين من الهند من أي جنسية كانوا لمدة 14 يوماً في بلد ثالث قبل المجيء الى لبنان، وسط تأكيد وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن أنّ المتحوّر الهندي سريع الانتشار لكن العوارض هي نفسها، وبأنّ اللقاح حتى الآن يغطي المتحور الهندي، ولكن الأمر يتطلب مزيداً من الدراسة.
هذه الـ”لكن” تطرح بعدها اسئلة عدة، وخصوصاً أنّ أكثر من 20 دولة تعاني من اصابات المتحور الجديد، فهل سنكون أمام إجراءات “جريئة” لتفادي السيناريو الهندي؟ والإجابة عن هذا السؤال تقتضي بالرجوع ولو بشكل مختصر الى بدايات كورونا في لبنان وكيف إنتقلنا من تسجيل 5 الى 10 اصابات في اليوم، الى ما يزيد عن ال5000 اصابة يومياً. يشرح الطبيب المتخصّص بأمراض الكلى والضغط نضال المولى، وهو من أوائل الاطباء الذين إنتدبوا الى المطار في بداية الجائحة، لـ”لبنان 24″ خطورة الوضع الحالي، وما إذا كان الحل سيكون باللقاح والاجراءات المتبعة. يقول المولى “في بداية الجائحة أُقفلت بوابات العالم من خلال الحدود والمطارات، ولكن هذا لم يعطِ النتيجة المرجوة، بل على العكس تجدد هذا الفيروس بشكل مخيف أكثر، حتى وصلنا الى المتحور البريطاني وحذرنا منه لحظة ظهوره في شمال افريقيا. ولكن ما حصل كان استهتارا وعدم التشدد والتقاعس في الاجراءات حتى وصل من بريطانيا الى الدول ومنها لبنان، على الرغم من تحذيرنا، أضف اليها التجاذبات التي حصلت حينها وخصوصاً في فترة اعياد الاشهر الاخيرة من عام 2020، حتى قفزت الارقام الى الالآف والوفيات بالمئات، حيث الاجراءات المتأخرة لم تفِ بالمطلوب. إضافة الى عدم وعي المواطنين بطبيعة الحال لخطورة ما نعيش وكانت الكارثة في لبنان”. المتحور الهندي يقول الدكتور المولى: “جميعنا رأينا المشاهد المبكية في الهند، وكيف أعلنت وزارة الصحة والطواقم الطبية والمستشفيات إنهيارها كلياً، وهنا السؤال، هل سيصل الينا كما وصل المتحور البريطاني. وهنا يجب طرح مجموعة من الاسئلة لتقييم الوضع الهندي، فهل ما حصل كان بسبب عدم التلقيح، على الرغم من أنّ الهند أنتج لقاحاً، وفيه ايضاً أكبر مصنع بريطاني لإنتاج اللقاحات، أم أنّ التجمعات الدينية هي التي ساهمت بهذه الطفرة. وهنا نسأل كيف نحمي أنفسنا في لبنان، وخصوصاً أننا نعلم مصدر تسرّب الفيروس أي من خلال المطار والحدود، وبالتالي يمكن الجزم بأنّه مهما تم إتخاذ تدابير سيبقى هذا التخوف قائماً. وهنا قد ينفع إقفال المطار ولو لفترة وجيزة أقلّه حتى تتجلى الرؤية بوضوح عن المتحور الهندي، اضافة الى التدابير الوقائية والتشدد في الاجراءات، ومواصلة التسريع في عملية اللقاح، هنا نعم يمكن القول أننا قد نكون بأمان من الخطر الكبير. وشيئا فشيئا سنتعافى”. إذا، لا حل إلاّ بإقفال المصدر، ومنع هذا الفيروس المتذاكي من الانتشار في لبنان، وخصوصاً اننا في مرحلة نسبياً افضل من السابق مع انخفاض اعداد الاصابات. وفي هذا الاطار أكدّ ايضاً رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي أنّ الإجراءات المتّخذة في السياق غير كافية إذ حُصِرَ الحجر في بلدٍ آخر بالآتين من بلدين فقط، وهذا ما يتم التباحث به، وبأنّه من المفترض زيادة نسبة الفحوص في المطار، واستقدام فحص التسلسل الجيني مع إجرائه بأعداد أكبر كونه يتيح تحديد السلالة المصاب بها المريض، لا الكشف فقط عمّا إذا كان الشخص يحمل الفيروس أم لا. وأشار عراجي الى أنّ ذلك لا يعني المطار حصراً، بل ايضاً الحدود البرية والبحرية، “حيث يجب تشديد الإجراءات، خصوصاً أن التواصل كبير بين الدول العربية والهند، كذلك تسكن جاليات هندية كبيرة المنطقة، هذا عدا الحركة التجارية الناشطة بين الهند والبلدان المجاورة”. اللقاحات فهل يمكن أن يلعب ضعف الاقبال على اللقاحات في لبنان دوراً سلبياً في العوامل المساعدة على إستقطاب الفيروسات المتحورة من الخارج؟ يجيب الدكتور نضال المولى عن هذا السؤال، معتبراً أنّه على الرغم من كل بروتوكلات العلاج التي اُتبعت في العالم الا انّ عداد الوفيات بقي مرتفعاً، “كان أمل الناس باللقاحات، وعشنا جميعاً مرحلة الخوف والتردد من اللقاحات المتوفرة، وسبب ذلك الصراعات الدولية والحرب التجارية التي شهدناها. وبالنسبة الى لبنان فقد إستورد تقريباً كل اللقاحات المنتجة، وزاد قلق الناس من فعالية اللقاحات وأي لقاح هو الافضل، وأنا كطبيب حتماً أنصح بتلقي اللقاحات الموجودة، لأنّها أنقذت ملايين البشر عبر التاريخ. ونأمل أن نكون على السكة الصحيحة، والتأخر في تلقي اللقاحات وعدم تشكيل المناعة المجتمعية سيؤدي حتماً الى تأثرنا سلباً بمختلف التحورات التي يشهدها العالم أجمع”. فهل تكفي الإجراءات المتبعة في جعلنا بمنأى عن المتحور الهندي، أم أنّ هناك داعيا كبيرا للهلع؟