يعيش اللبنانيون على وقع تسارع الاخبار، لاسيما الاقتصادية والمالية منها، ويبدو القلق سيد الموقف في حياتهم اليومية، لابل في تفاصيل يومياتهم. وما بين القلق واللاستقرار يحاول الجميع تأمين استمرارية حياته بطرق ووسائل مختلفة، ولا يخفى على احد ان التخزين باشكاله واساليبه المختلفة بات عادة وروتينا طبيعيا لمن استطاع اليه سبيلا.
اما أصحاب الدخل المحدود، الذين لا يكفيهم ما يجنون لشراء حاجيات شهر واحد من السلع الغذائية وغير الغذائية، فهم الاكثر ضررا، في ظل جشع متماد، ينطلق من المنتج وصولا الى التاجر، ولا ينتهي عند المواطن الذي وعند شرائه حاجياته، ينسى او يتناسى، ان المواد المدعومة وغير المدعومة، وجدت لتلبي طلبه وطلب الآخر.
فالبطاقة التمويلية التي يحكي عنها ما زالت قيد الدرس، ولم تعرف طريقها حتى الساعة الى اي باب من ابواب السلطات المخولة البت في تفاصيلها، اذ ان الحكومة المستقيلة قد لا تنعقد من اجلها، والمجلس النيابي قد لا يلتئم من اجل قضية تتعلق بجوع وعوز اللبنانيين.
وفي حين يبدو مصير البطاقة التمويلية مشابها لمصير ضمان الشيخوخة والتعليم الرسمي وسواهما من ملفات وقضايا قد لا نجد لها سعة في عالم الكتابة الورقية او حتى الالكترونية، يظهر رفع الدعم، كوحش كاسر، باتت المسافة الزمنية من وصوله الاراضي اللبنانية، لا تتخطى ال 3 اسابيع.
فما هو السيناريو المنتظر، وهل لوائح الاسعار الخيالية الموزعة هنا وهناك حقيقية، ام انها تدخل لعبة الخوف والتخويف اللبنانية؟
الأسعار المتداولة مضخمة
في هذا الاطار، وفي حديث مع “لبنان 24″، يؤكد الخبير الاقتصادي بيار خوري، ان “ما يتم تداوله في الاونة الاخيرة من لوائح تسعير لبضائع اساسية وغير اساسية، مدعومة وغير مدعومة، قد يكون من نسج خيال البعض، او قد يكون ضمن اطار البلبلة والضغط الذي يتعرض له المواطن اللبناني. فلوائح الاسعار المنتشرة في كل مكان لا تقوم على اي قاعدة اقتصادية، لا بل هي نوع من انواع التضليل والضياع الذي يرغب البعض في ان يصل اليه اللبناني، وهذا ما نبّه منه رئيس نقابة المستوردين منذ ايام قليلة. فاللوائح باسعارها الخيالية تتضمن الاسعار للسلع المدعومة وغير المدعومة، وهي في اغلب الظن مضخمة بنسبة 4 او 5 مرات عن الاسعار الحقيقية التي يمكن ان يشهدها الواقع اللبناني”.
البدائل قد تلجم الارتفاع الجنوني للاسعار
كما يرى خوري انه “لا يمكن ان تشهد اسعار السلع المختلفة تفلتا جنونيا او ارتفاعا ناريا بكل ما للكلمة من معنى، اذ ان تحديد الاسعار مرتبط بشكل وثيق بالطلب على السلع، اي انه محكوم بقاعدة العرض والطلب. ووفقا لهذه القاعدة، ووسط ما يحدث اليوم في الاسواق اللبنانية، يمكن القول ان ارتفاع اسعار السلع بصورة غير منطقية، سيؤدي حتما الى خروجها من السوق، اذ ان وصول السلعة الى سعر لا يتناسب مع القدرة الشرائية اللبنانية، سيحولها الى سلعة “ميتة”، اي غير قابلة للشراء، مهما كانت اساسية او ضرورية.”ويضيف خوري: “لا بد من توضيح الامر عبر الحديث عن قاعدة المرونة، التي يتم العمل فيها وفقا لطبيعة السلع (سلع مرنة واخرى غير مرنة) وعبر مبدأ الحاجات الاساسية. وعادة تكون اسعار الحاجات الاساسية غير مرنة، اي انها ثابتة الى حد معين، لكن ما يحدث في لبنان هو ان الازمة الحالية، وتحديدا طول مدتها الزمنية، جعل اسعار السلع الاساسية ان تتحول الى مرنة وذلك بسبب وجود البدائل،
والمرونة السعرية تقول انه كل ما ارتفعت اسعار البضائع المرنة انخفض الاستهلاك، الذي يشهد انخفاضا اكبر في حال الارتفاع طال السلع غير المرنة، بما معناه ان الناس تحاول قدر المستطاع عدم شراء السلع ذات الاسعار المرتفعة وتحاول البحث عن بديل لها بحال كانت هذه السلع من ضمن الحاجات الاساسية،وعلى سبيل المثال، يعتبر الدواء من السلع غير المرنة، وبالتالي من المتوقع ان تشهد اسعاره ارتفاعا ضخما، لكن عنصر المنافسة بين الشركات المنتجة ووجود ما يعرف “بجنريك”، يشكلان لجما واضحا للارتفاع الخيالي الذي يحكى عنه.ويختم خوري قائلا:” في ظل توفر البدائل، لا يمكن الحديث عن تفلت تام في ارتفاع الاسعار، فالاسعار ومما لا شك فيه مرتفعة وستزيد ارتفاعا، لكن الارتفاع هذا سيكون اقل بكثير من حجم التضخم الحاصل. فالنقاش في ارتفاع الاسعار بات ضروريا فقط من زاوية نسبة الارتفاع لاغير، واغلب الظن، ان هذه النسبة لن تتخطى ربع الاسعار المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي اوساط الناس.