الاغتراب اللبناني يَحول دون الاصطدام الكبير

12 مايو 2021
الاغتراب اللبناني يَحول دون الاصطدام الكبير

كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: أحدث انفجار المرفأ صدمة اغترابية بقدر ما كان صدمة محلية. وتعامل المغتربون مع الانفجار كأنه أصابهم. وهذه كانت نقطة تحوّل، إذ بدأت المساعدات تأخذ بعداً آخر، من دعم للمستشفيات ومؤسسات الإغاثة والصليب الأحمر، إضافة الى الجمعيات وتقديم مساعدات مباشرة للمتضررين. ولم يكن هذا الدعم بسيطاً بحسب الجمعيات المعنية التي نالت حصتها، وتمكنت بفضل هذه المساعدات من إعمار وترميم منازل ومحال متضررة، كما إغاثة وتأمين مستلزمات العائلات المصابة.
 
تزامناً مع الانفجار وبعده، تفاقمت حدة الأزمة الاقتصادية، وارتفع سعر الدولار ارتفاعاً جنونياً، فزاد من حالة الانهيار الاجتماعي التي أصابت العائلات اللبنانية. عدا عن تأقلم اللبنانيين مع أزماتهم، ساهم الاغتراب في تغطية العجز المتراكم لدى العائلات، ما أدى ــــ إلى جانب عوامل أخرى ــــ إلى تراجع في حركة الاعتراض الشعبية على كل المستويات. أولاً، من خلال التحويلات بالدولار بعدما أعيد العمل بدفع التحويلات الطازجة والمباشرة به، إثر انكفاء المغتربين عن التحويل بعد تعليق العمل بقرار الدفع بالدولار. والزحمة أمام مكاتب التحويلات المالية صارت روتينية بفعل مدّ العاملين في الخارج، من إفريقيا والولايات المتحدة وأوروبا، عائلاتهم بدفعات شهرية.
 
يُضاف إلى ما تقدّم، حملات «الإغاثة» بمعناها المباشر. فصناديق المساعدات الاغترابية من مؤسسات وجمعيات تمدّ فروعها في لبنان بالأموال لتأمين الضروريات من طعام ومستلزمات يومية. ويملك عدد من العاملين في قطاع هذه الجمعيات روايات لافتة عن حجم هذه المساعدات التي تعوّض العائلات المحتاجة شهرياً عن نسبة كبيرة من احتياجاتها. كذلك عملت جمعيات اغترابية، في الأشهر الماضية، على دعم البلدات التي تنتسب إليها بمساعدات مالية للطلاب وبتأمين أجهزة تنفس وفحوصات الكورونا مجاناً.
 
ورغم أن انتشار الكورونا حدّ من حركة الطيران بين الخارج ولبنان، إلا أن مغتربين كثراً، وتحديداً العاملين في دول كانت قيود السفر فيها مخففة، حوّلوا يوميّاتهم للتبضّع في المحال التجارية الغذائية الى تأمين مستلزمات عائلاتهم في لبنان من أبسط الأمور الى أهمها كحليب الأطفال، المفقود أياماً كثيرة في لبنان، الى مواد غذائية متنوعة. ويندر أن يصل لبناني من تلك الدول من دون حقائب مليئة بشتى أنوع الضروريات. كما أن الأدوية التي تصل الى لبنان ولا سيما من أوروبا أو من دول قريبة كتركيا ومصر والأردن، والتي باتت مفقودة في بيروت، تشكل أحد أوجه المساعدات الأساسية التي يؤمّنها المغتربون (إذا لم تخترع أجهزة الأمن والجمارك سبلاً للتضييق عليهم). ومع تخفيف دول أوروبية وأميركية من القيود على حركة الطيران بفعل الكورونا، يتوقع أيضاً ازدياد حجم الذين سيزورون لبنان، مستفيدين أيضاً من التفاوت في الأسعار بعد انخفاض سعر الليرة، ما يعني أن هذا الشريان الحيوي سيضخّ مزيداً من العملة الصعبة في لبنان. يضاف الى ذلك التحويلات الجديدة التي باتت تؤمّنها الهجرة الجديدة، التي حدثت بفعل الأزمة الاقتصادية، في كل القطاعات، من عمال وأطباء ومهندسين وممرّضين وأساتذة. الحسنة الوحيدة لهذه الهجرة، أن هذا الرعيل تعلّم من تجربة من سبقه، فتحويلاته وجنى عمره لن تكون هذه المرة طعاماً سائغاً في أيدي المصارف اللبنانية، بل ستكون محصوةً في إبقاء عائلاتهم على قيد الحياة.

المصدر:
الأخبار