نخشى من عنف اجتماعي يؤدي إلى ثورة جياع وحينها لا ينفع الندم

13 مايو 2021

ألقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خطبة عيد الفطر السعيد في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، وأم المصلين في حضور رئيس حكومة تصريف الاعمال الدكتور حسان دياب، النائبين فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي، رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام في لبنان القاضي الشيخ خلدون عريمط، قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، علماء وأعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحشد من الشخصيات السياسية، الاجتماعية، النقابية والعسكرية.

وقال دريان في خطبة عيد الفطر: “في الوقت الذي كان فيه الإخوة المقدسيون والفلسطينيون الآخرون، يشهدون جميعا ليلة القدر؛ كان هناك الشهود من جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي، الذين يقفون مع حق الأرض والوطن، ومع حق الدين والصلاة في الأقصى. ستبقى القدس عنوانا للوحدة العربية والإسلامية، وستبقى فلسطين قضيتنا المركزية، وما يجري اليوم في باحات المسجد الأقصى من قبل العدو الإسرائيلي المغتصب هو انتهاك لحقوق الإنسان، وتعد على المقدسيين والفلسطينيين، وعلى العرب والمسلمين والمسيحيين في العالم، وهو إرهاب منظم لا يمكن السكوت عنه، وندعو جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن والمجتمع الدولي، الى اتخاذ إجراءات سريعة لردع هذا العدوان، وإنصاف الشعب الفلسطيني، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف”.

وتوجه الى اللبنانيين، قائلا: “إذا كنا نشيد بالمحسنين في رمضان وغير رمضان، وفي فلسطين ولبنان، وسائر ديار العرب والمسلمين؛ ونحن نشهد لهم وبهم باعتبارهم قوى العزيمة والمواساة والكرامة؛ فإنه يكون علينا أن نشهد أيضا على المقصرين والمشاركين في صنع الأزمة الكبرى، التي يعانيها اللبنانيون جميعا. في طليعة الذين ينبغي أن نشهد عليهم، العاملون في الشأن السياسي العام، الذين خذلوا مواطنيهم خذلانا شديدا حين انغمسوا في الفساد، وحين حالوا دون تشكيل حكومة قادرة على إيقاف الانهيار، وإعادة الاعمار، والذهاب إلى المجتمع الدولي، من أجل المساعدة، هؤلاء السياسيون مسؤولون ومدانون من طريق الانغماس في الفساد الذي صار وباء أفظع من وباء كورونا. وطريق منع الخير، ومنع عمل المؤسسات الدستورية، والانحدار إلى مستويات دنيا من مخالفة الدستور، ومن ضرب القضاء، ومن اللجوء إلى أوهام الطائفية، والتفرقة بين المواطنين. كل هذه الأعمال السيئة، لن ينساها لهم الشعب، الذي انكشفت أمامه نزعات السياسيين، الذين انهمكوا لأعوام وإلى الآن، في الاعتناء بمصالحهم على حساب الناس، وحساب استقرار لبنان وسمعته بين دول العالم. والرأي العام يتساءل معنا أيضا، أين نتائج التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وأين هي حقوق المواطنين الذين قتلوا أو جرحوا أو دمرت ممتلكاتهم ؟ كل تاخير في هذا الملف هو نقطة سوداء ووصمة عار في مسيرة الوطن. إن ما نشهده من أزمات تلو الأزمات، وآخرها تهديد المواطن بانقطاع ما تبقى من بعض ساعات التغذية الكهربائية، ونتساءل: هل سيبقى الصمت سائدا حتى يتحول لبنان إلى العتمة الشاملة، ويقضى على مقومات عيش المواطن الكريم، الذي ينزف دما ودموعا وبطالة، ويتضور جوعا نتيجة أخطاء الحكم وخطاياه، وانطلاقا من ذلك، فإننا نبدي خشيتنا من انفجار أو عنف اجتماعي ، يؤدي إلى ثورة الجياع، التي لا تبقي ولا تذر، وحينها لا ينفع الندم. ويكون علينا بعد السياسيين، أن نتوجه بالعتب الشديد إلى أولئك الذين ائتمنهم الشعب على أمواله وودائعه، فخانوا الأمانة ، وانصرفوا إلى التربح، فشاركوا بقوة السياسيين، في تدمير قطاع لبناني عريق، شهد له اللبنانيون والعرب والعالم في زمن الأسلاف، حين كان لبنان هو مصرف العرب، ومستشفاهم، وجامعاتهم ومدارسهم. وكم اعتززنا بثورة الشباب ، من أجل الإصلاح وما نزال”.
وتابع: “المبادرات الداخلية والخارجية لتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، لم تثمر حتى الآن، والسبب أصبح معروفا للقاصي والداني، وهو الشخصانية والأنانية التي تعمي البصر والبصيرة، فالعراقيل والعقبات التي وضعت وتوضع في وجه الرئيس المكلف تأليف الحكومة، ما زالت قائمة، ويبدو أنها مستمرة بشكل ممنهج، ولا يوقف الانهيار والخراب الذي نعيشه، إلا ولادة حكومة تعالج الفساد والاهتراء الذي لم يشهده لبنان على مدى عقود، وتقوم بالإصلاحات المطلوبة، وأي كلام آخر هو خداع للناس. علينا أن نعترف ونقول بالفم الملآن: نحن نعيش أزمة فقدان الثقة، والمؤمن لا ييأس، ومن لا تحركه غيرته تجاه وطنه وشعبه، فلا خير فيه مطلقا، حب الوطن ليس مجرد كلمات تقال، أو شعارات ترفع، أو خطابات رنانة تلقى، بل هو فعل، والأنا تودي بنا إلى طريق غير مستقيم. المطلوب التعاون والتضافر من أجل حب الوطن ، فعلى أبنائه أن يجدوا ويجتهدوا ويقفوا وقفة شجاعة، ضد كل الأساليب التي تشكل سدا منيعا بوجه تشكيل الحكومة. أعان الله الرئيس المكلف، على مهمته الشاقة، وكان الله في عون رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي تحمل ما لم يتحمله غيره في مثل هذه الظروف الصعبة”.
وقال: “أيها المسلمون أيها اللبنانيون، هناك صراع بين قوى الخير والمسؤولية، والتضامن الوطني والإنساني في لبنان من جهة، وفئات البغي وعصائبه، وانعدام المسؤولية، والذين يصنعون الكوارث أو يزيدونها شرا وعدوانا. ورمضان شهر المحاسبة، فمنهم من تثقل موازينه، ومنهم من تخف. ونحن مع الشعب، نسأل الله الذي قال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره، أن يجزي كلا بعمله، والخيرون معروفون بسيماهم، والمجرمون معروفون بجرائمهم وعدوانهم على الوطن وعلى الدولة”.
وختم دريان: “أيها المسلمون، رمضان شهر الصبر والمواساة والمبادرة. وقد أديتم واجبكم، وصنعتم فارقا في مجالات العبادة، ومكافحة البؤس والتعب، والاحتياجات المتفاقمة. أهنئكم بالعيد المبارك، وأسال الله أن يجزيكم خير الجزاء، على الفضائل والطاعات، وبارك الله لكم صومكم وفطركم، وصلاتكم وزكاتكم وعملكم، من أجل الخير والبر والتقوى. أقول قولي وأستغفر الله العظيم لي ولك، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله” .
بعدها، توجه دريان إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة عن روحه الطاهرة ورفاقه الأبرار.
وكان دياب اصطحب مفتي الجمهورية من منزله صباحا إلى مسجد محمد الأمين في موكب رسمي، حيث قدمت ثلة من قوى الأمن الداخلي التشريفات في باحة المسجد لدياب ودريان.