من باب التسطيح والتبسيط التي دأبت عليه معظم الاطراف المحلية، اختزال الازمة في لبنان بعوامل اقتصادية ومعيشية ضاغطة أو فشل في تشكيل الحكومة وحتما خلاف حيال انتخابات رئاسية قد لا تحصل، وربما ذلك هناك من يصر على الطابع الهزلي في مقاربة الواقع بينما لبنان يواجه مخاطر تهدد وجوده وكيانه.
لا يمكن مقاربة المشهد اللبناني بمعزل عن تفاصيل زوايا المسرح الاقليمي بأكمله، فلطالما كان لبنان ممر العبور للمشاريع والخطط منذ النكبة الفلسطينية العام 1948 ونشوء دولة اسرائيل الامر الذي وضع لبنان على فيلق الزلزال الذي ضرب المنطقة من المحيط الى الخليج وادخل لبنان في واقع داخلي مأزوم كان يخمد أو ينفجر بحسب صراعات المنطقة ونزاعاتها.
الملفت، بأن لبنان حاول الاستفادة من النكبة الفلسطينية ونجح الى حد ما، بينما هزت الهزائم المتتالية الوعي العربي في الصميم، و هذا ما تجلى بجذب الرساميل العربية وضخها في عروق الاقتصاد اللبناني عبر المصارف، كما بنقل حركة النقل الى العمق العربي من مرفا حيفا الى مرفأ بيروت ما جعلها درة العواصم العربية في محيط شهد تقلبات وانقلابات قلبت الواقع العربي رأسا على عقب. لكن الالق اللبناني لم يستمر طويلا مع نكسة 1967 التي كانت رافدا اساسيا لاشتعال حرب اهلية طاحنة وضياح الحلم اللبناني.
لا يمكن فصل اشتعال الوضع الفلسطيني عن الواقع اللبناني المأزوم بغض النظر عن الدعوات الجوفاء لتجنيب لبنان صراعات المنطقة، فعوامل التداخل طاغية وتلعب دورا اساسيا في تعقيدات الواقع اللبناني، لذلك فالساحة اللبنانية مرشحة لمزيد من التفسخ واضمحلال المؤسسات رغم حفاظ شكلي على ما تبقى من دولة لبنانية عاجزة وسلطة فاشلة.
في هذا السياق، تفيد تقارير اوروبية بأنه لا يمكن الرهان طويلا على تأمين التماسك في لبنان في حال توسع التصعيد العسكري في الاراضي المحتلة والموضوع لا يتعلق بانخراط حزب الله في الصراع من عدمه بل جراء اللجوء الفلسطيني كما النزوح السوري في حال دخوله عاملا للانقسام اللبناني الداخلي ،ولعل الدليل القاطع الزحمة التي سيشهدها لبنان في الانتخابات الرئاسية السورية المرتقبة على غرار كل المناطق السورية .
رغم المخاطر الوجودية، يشهد الوضع اللبناني الراهن كما هائلا من الانانية المقيتة كالتفتيش عن نزع التكليف او فرض شروط التشكيل الحكومي بينما فقد لبنان ميزاته الاساسية ، ما يجعله في حقبات معينة ممرا الزاميا لحروب بالوكالة أو مصالحات بالواسطة لمشاريع تتجاوز حدوده نحو عواصم الدول الكبرى .