على وقع المواجهات المُحتدمة في فلسطين بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الاسرائيلي والمعارك الدموية الدائرة في قطاع غزّة التي شهدت أشدّ عمليات العنف منذ أيام وحتى اليوم، تداخلت الجوانب السياسية بالمبادىء الاخلاقية وانقسم اللبنانيون حول القضية الفلسطينية تحت وسم “فلسطين قضيتي” و”فلسطين ليست قضيتي”.
وإذ اتخذ بعض الناشطين المعارضين لـ “حزب الله” على مواقع التواصل الاجتماعي والمنادين بتسليم سلاح المقاومة، الانهيار اللبناني ذريعة لتظهير مواقفهم اللامبالية بالقضية الفلسطينية لعدم اندراجها تحت بند أولويات اللبناني في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ على البلاد، ولجأ البعض الآخر الى تصويب سهام الاتهامات نحو “حزب الله” السّاكت، برأيهم، عن انتهاكات العدوّ لفلسطين المحتلة، وكأن المطلوب هو أن تفتح المقاومة اللبنانية جبهة المعركة من الداخل اللبناني لنعود ونسمع بعد ذلك الأصوات المتعالية والمندّدة بتوريط لبنان!
في الواقع، فإن المشكلة الحقيقة تكمن في ان جميع القوى تستغل أي حدث بهدف تسجيل نقاط في السياسة على خصومها، الامر الذي شهدناه بُعيد حادثة تفجير مرفأ بيروت، وخلال حراك 17 تشرين والانتخابات وغيرها من الاحداث والاستحقاقات في لبنان. ولكن هل أصبح من المقبول إقحام القضية الفلسطينية في لعبة البازار السياسي؟ أليس من المنطقي أن يكون الشعب اللبناني أول الداعمين والمدافعين، اخلاقيا، عن هذه القضية؟ وهو الشعب الذي عانى ما عاناه من الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية على أراضيه؟وبمعزل عن المواقف الشعبية المشرّفة في بعضها والمخزية في بعضها الآخر، حيث ان عبارة “حراسة الحدود” الرائجة في أيامنا والتي بات يستخدمها تجّار السياسة في لبنان ومن خلفهم بعض الأبواق الخاضعة إما لمنفعة شخصية او لأحقاد متراكمة مبنية على قناعات سياسية ومفاهيم وطنية لن أدخل في مدى دقّتها،او على الحرب السورية وما تبعها من تطورات اقليمية وهجمات اعلامية منسّقة، غير أن المصلحة السياسية تتأثر بشكل كبير من نتائج الصراع القائم، إذ ان كسر شوكة الكيان المُحتلّ عسكريا من شأنه أن يحلّ جزءا اساسيا من الأزمة اللبنانية اذ انه سيضمن بلا شك حق العودة للفلسطينيين الى وطنهم من دون منّة من أحد، وبالتالي سيؤدي الى حلّ مشكلة ديموغرافية سياسية واقتصادية بالغة الاهمية بالنسبة للبنان لا سيما في هذا التوقيت الدقيق!فأين حقيقة المشكلة إذاً؟ ولماذا بدا البعض مشجّعاً لفكر “العيش المشترك” في فلسطين المحتلّة؟ يبدو أن المشكلة ثقافية، وربما مرتبطة بعدم قدرة جزء كبير من اللبنانيين منذ عشرات السنين على تكوين مفهوم واحد للوطنية والانتماء، اذ ان كل مجموعة طائفية او مذهبية او سياسية لديها خصومها وأصدقاءها وقضاياها التي تدافع عنها وتعتبرها اولوية مطلقة وتختصر بها مفهوم الوطنية، لذلك يجب اعادة النظر من مدخل فلسطين بكل المبادىء الوطنية والمناهج التربوية التي من المفترض أن تلعب دوراً أسياسياً في تكوين هوية واحدة لكل الشعب اللبناني.