تنشغل الأوساط السياسية والشعبية في لبنان برصد احتمال تطور الموقف داخل الساحة الفلسطينية ومدى إمكانية أن يتطور الصراع مع الإسرائيليين إلى خارج الحدود الفلسطينية اللبنانية بالدرجة الأولى ومن ثم السورية. ومرد ذلك إلى ما تشكله هذه التطورات داخل فلسطين من فرصة استثنائية التهبت فيها المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين داخل غزة والأراضي المحتلة عام 1948، حيث وضع هذا الإسرائيلي في موقف شديد الحراجة، إذ أنه يتعرض لفكي كماشة من ناحية صواريخ غزة التي دكت معظم “مدن الكيان الإسرائيلي” بما فيها تل أبيب، ومن ناحية أخرى التحركات الشعبية في أراضي 1948 وهي تفوق خطورة وتأثيرا صواريخ حماس والجهاد الإسلامي.
إن الصواريخ التي تطلق من غزة رغم الكلفة الباهضة التي يدفعها الشعب الفلسطيني في غزة تشكل إلى حدود كبيرة، بحسب أوساط سياسية، استعادة للسيناريو اللبناني الذي اعتمدته المقاومة مع العدو الإسرائيلي والذي أفضى إلى تكريس معادلات الردع والتوازن وافقد إسرائيل عنصر المبادرة وانتهى إلى تحرير الأراضي اللبنانية. أما التحركات الشعبية من قبل فلسطينيي1948 فإن خطورتها تكمن في أنها تحركات مدنية تجري في “عقر المدن والمستوطنات الإسرائيلية” ومن شأنها أن تؤدي إلى استنزاف كبير للأمن الإسرائيلي وتطيح ما اعتقد العدو أنه انجزه على مستوى استقرار الكيان وحمايته داخليا.
في ضوء ذلك من المستبعد ومن غير المنطقي أن تلجأ اسرائيل بنفسها إلى توسعة مدى المواجهة وأن تبادر الى فتح جبهات جديدة هي في غنى عنها في لبنان وسوريا، لكن ، من زاوية حسابات محور المقاومة، فإن هذه التطورات، بحسب الأوساط نفسها، تمثل فرصة استثنائية وتاريخية للانقضاض على إسرائيل وجرها إلى جبهات متعددة ،وهي مقولة طالما ترددت على لسان محللي هذا المحور وفي أحيان بتلميح على لسان مسؤوليه أيضا.
والسؤال المطروح راهنا هل تتطور المواجهة في هذا الاتجاه ؟وهل يعتبر الظرف الاقليمي مؤاتيا لسيناريو كهذا؟
من الصعب الإجابة بطريقة حاسمة على هذا السؤال لكن من ناحية مبدئية لا يبدو الوضع في سوريا مهيئا لتطورات كهذه، على اعتاب التحضير للانتخابات الرئاسية السورية وفي ظل وجود توجه روسي لتهدئة الساحة السورية والحؤول دون أن تشهد أي تصعيد، هذا بالاضافة الى الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به الشعب السوري. أما من ناحية لبنان فمن المستبعد، في ظل الظروف المالية والإقتصادية والنقدية التي يمر بها البلد ، بالإضافة إلى عدم وجود حكومة وحالة الانقسام الحادة القائمة بين المكونات السياسية والحزبية، أن تكون الساحة مؤاتية لتصعيد مفتوح مع إسرائيل ، إلا إذا في حال فُرضَ هذا الأمر فرضا على حزب الله وبادرت إسرائيل إلى عمل عدواني ما.وقبل كل ذلك تنصب الأنظار على المسار الفلسطيني نفسه لاستكشاف قدرته على الصمود وخوض هذه المواجهة حتى تأدية أهدافها، خاصة وأن من شأنها أن تكرس معادلات جديدة ستترك تأثيرات على مجمل الحسابات الإقليمية من حيث المواجهة مع إسرائيل. لذا من المرجح، وفق قراءة الأوساط ذاتها، أن يتطور مستوى التفاعل الشعبي في لبنان والأردن ودول عربية أخرى مع غزة، وقد تنفلت حدود هذا التفاعل على غرار ما حصل في الايام الماضية في أكثر من مكان في الجنوب رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها الجيش لضبط ردود الفعل الشعبية على الحدود، لكن ليس ثمة ما يشير بصورة واضحة لاحتمال تصعيد عسكري أو أمني إن كان مفتوحا أو محدودا.