كتب طوني عيسى في” الجمهورية”: في الغالب، لا يفوِّت «حزب الله» فرصة لإثبات أنه يمتلك القدرة والاستعداد لـ»معادلة الرعب» بينه وبين إسرائيل. ولطالما لوَّح بأنه، عند الحاجة، جاهِز لرشق إسرائيل بعشراتٍ أو مئاتٍ من الصواريخ التي يملكها، بما فيها الصواريخ الدقيقة التوجيه.
اليوم، على العكس، يبعث «الحزب» برسائل واضحة إلى القوى الفلسطينية جنوباً، ويطلق التوجيهات إلى بيئته، لِتجنّب أي مواجهة هناك. وثمة مَن يتحدث عن اعتبارات حيوية، داخلية وإقليمية، دفعت «الحزب» إلى التزام هذه الضوابط، أبرزها الآتي:
1 – لا يتحمَّل لبنان اليوم أي مغامرة عسكرية. فضربات إسرائيل للبنى التحتية، في تموز 2006، أوقعت البلد في نكبات اقتصادية وساهمت في وصوله إلى الانهيار الحاصل اليوم. وأي تكرار لهذه التجربة، خصوصاً بعد زلزال المرفأ، سيسرّع وصول لبنان إلى الحضيض، بحيث يصبح صعباً إنقاذه، حتى بدعم المجتمع الدولي والعربي.
2 – إذا كان القتال في غزّة جزءاً من الرسائل الساخنة داخل مثلث إيران- إسرائيل- الولايات المتحدة، فالأحرى أن طهران ليست مضطرة إلى استخدام «المنصَّة اللبنانية» في المرحلة الحالية من المواجهة، على الأقل، لأنها مرتاحة في محادثات فيينا حول الملف النووي، وليست في حاجة إلى دعمٍ لوجستي من جانب «الحزب».
ويعتقد الإيرانيون أن المفاوضات مع واشنطن ستنتهي وفق ما يريدون تقريباً، لأن إدارة جو بايدن لن تتمسك طويلاً بالشروط التي طرحها سلفه دونالد ترامب، لا في النووي ولا في ملف الصواريخ البالستية ولا في مسألة تمدّد النفوذ داخل بلدان الجوار، وأن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل الانسحاب الأميركي من اتفاق فيينا، في أيار 2018.
ولذلك، سيكون من الأفضل أن يحتفظ «الحزب» بكل قوته الصاروخية في منأى عن المواجهة. وهي ستكون أكثر فاعلية إذا لوّحت بها إيران كرصيد احتياطي قوي على طاولة المفاوضات، بدل إنهاكها في المواجهة الفعلية مع آلة الحرب الإسرائيلية.
3 – عسكرياً، وحتى الآن، ليست «حماس» و»الجهاد» في حاجة إلى دعمٍ قتالي من «حزب الله». وفي المبدأ، تقوم استراتيجية إيران على حصر المواجهات التي يخوضها حلفاؤها في بلدان الشرق الأوسط، داخل حدود كل منها، بحيث تتجنّب التعقيدات السياسية التي يمكن أن تطرأ نتيجة التداخل عبر الحدود.
وصحيح أن «حزب الله» اللبناني يمثِّل لإيران ذراعاً عسكرية عابرة للحدود، من لبنان فسوريا والعراق فاليمن، إلا أن المواجهات التي خاضها «الحزب» في هذه الدول كانت معزولة دائماً عن الاعتبارات اللبنانية، ولم تكن تستجلب المواجهة العسكرية إلى لبنان، لا على الحدود ولا في الداخل.
4 – إن ابتعاد «الحزب» عن المواجهة العسكرية مع إسرائيل يجنّبه مزيدا من الضغوط، في زمن العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية، ويمنحه الهامش ليدعم بالحد الأدنى صورته كحزب لبناني يضع الاعتبارات اللبنانية في صدارة أولوياته.إذا كانت الاعتبارات اللبنانية وحدها هي التي دفعت «الحزب» إلى هذا الخيار، فذلك يعني أنه قدَّم نموذجاً تطبيقياً لفكرة «الحياد الإيجابي»، بعيداً من هواجس الخوف من جهة والتحدّي من جهة أخرى. أما إذا كان موقف «الحزب» جزءاً من تكتيك المواجهة الذي رسمته إيران في الإقليم، فمعنى ذلك أن الاحتمالات كلها واردة. لكن المطّلعين يرجّحون بقاء الوضع على الحدود تحت السيطرة، لأن المصالح تتقاطع على التهدئة هناك، حتى إشعار آخر”.