بعد التصريحات “المتهوّرة”.. هل يكفي “تبرؤ” الرئيس و”إعفاء” الوزير؟

19 مايو 2021
بعد التصريحات “المتهوّرة”.. هل يكفي “تبرؤ” الرئيس و”إعفاء” الوزير؟

لا تزال تصريحات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة تثير “الجدل” في الداخل اللبناني، رغم “الاعتذار” المُضمَر الذي صدر عنه بشأنها، وطلبه “إعفاءه من مسوؤلياته”، في أعقاب إعلان “العهد” ممثَّلًا برئيس الجمهورية ميشال عون، “براءته” منها، واعتبار أنّها تعكس آراءه الشخصيّة التي لا تمثّل الدولة اللبنانية بأيّ شكلٍ من الأشكال.لم تقف “زوبعة” التصريحات، التي وُصِفت بـ”المتهوّرة”، عند هذا الحدّ، إذ اتُهِم الوزير بـ”التفريط” بعلاقة لبنان بالدول الشقيقة والصديقة، والإساءة إليها في وقتٍ قد يكون لبنان بأمسّ الحاجة لأيّ دعمٍ ومؤازرة، في ظلّ الأزمات “الخانقة” التي يتخبّط خلفها، وفي ضوء الشكاوى من سحب الكثير من الأصدقاء يدهم عنه.ولأنّ وزير الخارجية خالف القواعد “الدبلوماسية” التي يفترض به أن يكون أكثر الحريصين عليها، من حيث المبدأ، ثمّة من يسأل، هل يكفي “اعتذاره”، أو حتى “تنحّيه” وفق المَخرَج الذي أعلِن من قصر بعبدا صباح اليوم، لتصحيح الخطيئة التي ارتكبها؟ وهل يكفي أن يقول رئيس الجمهورية إنّه لا يشاركه رأيه، لإنهاء ذيول “أزمة” دبلوماسيّة قد تكون أكثر “تعقيدًا” ممّا يعتقد كثيرون؟

مؤشّرات غير مبشّرةلا شكّ أنّ “الزوبعة” التي أثارتها تصريحات وهبة في الداخل اللبناني، قوبلت بمحاولات متسارعة لـ”احتواء” المشكل بأيّ طريقة ممكنة، أو حتّى بالتي هي أحسن، وهو ما تُرجِم بـ”استقالة الوزير المستقيل”، بعد سلسلةٍ من بيانات الشجب والاستنكار للقيادات السياسية التي أكّدت على العلاقات التاريخية التي تربط لبنان بدول الخليج، ووجوب تطويرها والبناء عليها، لا التفريط بها.لكن، رغم ذلك، لم تَبدُ المؤشّرات الأولية إيجابية، وهو ما تجلّى بردود الفعل الرسمية والشعبية والافتراضيّة على كلام الوزير وهبة، الذي لم ينزل بردًا وسلامًا في دول الخليج، غير الراضية أساسًا عن أداء الحكم اللبناني بصورة عامّة، وهو ما تجلّى في الآونة الأخيرة بقرار مقاطعة استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، على خلفيّة الكشف عن مواد مخدّرة، في قرارٍ رأى كثيرون أنّه سياسيّ في المقام الأولى، ولو أعطي مسوّغات قانونية جوهريّة.ولعلّ ما تمّ تسريبه عن “سيناريوهات” قد تلجأ إليها المملكة، وتلحق بها ربما دول خليجية أخرى، يؤكد هذا المنحى، الذي بدأ أصلاً باستدعاء السفراء وتسليمهم مذكّرات احتجاج، لكنّه قد لا يقف عند هذا الحدّ، بل يصل إلى اتخاذ إجراءات ملموسة أكثر قوة وردعًا، علمًا أنّ البعض ذهب لحدّ توقع قطع العلاقات، أو اتخاذ إجراءات بحق الجالية، في خطواتٍ قد لا تحصل، لكنّ مجرّد طرحها على طاولة البحث من باب التسريبات يدلّ على “عمق” الأزمة.ما المطلوب؟من هنا، لا يُعتقَد أنّ الاكتفاء ببيانات “الاعتذار والتنصّل” كالتي صدرت في الساعات الماضية كافية لإنهاء الأزمة، أو درء المشكل، علمًا أنّ البيانات الشعرية والإنشائية أثبتت عقمها وعدم جدواها، بعدما عجزت عن حلّ الأزمة الأخيرة مع السعودية، التي بقيت “مجمَّدة” عند حدود الوعود الرئاسية التي بقيت حبرًا على ورق في أحسن الأحوال.ويقول العارفون في هذا السياق إنّ اكتفاء رئيس الجمهورية بالقول إنّه لا يتحمّل مسؤولية تصريحات الوزير وهبة، وإنّ الأخير عبّر عن آرائه الشخصية، لا يكفي، ولو أنّ البعض يعتقد أنّ دفع الوزير إلى “الاستقالة”، ولو كان مستقيلًا أصلًا، هو أقصى ما يستطيع “العهد” تقديمه، بعدما أربكته التصريحات “المتهوّرة” وأحرجته، ولو أنّ البعض سيرى في هذه الخطوة رفع عتب، أو حتى ضحكًا على الذقون. ويشدّد هؤلاء على أنّ المطلوب من لبنان الرسميّ أكثر من ذلك بكثير، لأن “أزمة الثقة” التي تعيشها العلاقات اللبنانية الخليجية عمومًا، واللبنانية السعودية خصوصًا، لا تعود إلى مجرّد تصريحات “متهوّرة” كان يمكن القفز فوقها، ولكن إلى “تراكمات” غير بريئة ولا عفويّة، ولا شكّ أنّ حلّها يتطلب “انقلابًا” جديًا في المبادرة، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ تحسين العلاقة مع الخليج، قد يكون “مفتاح الحلّ” للكثير من الأزمات المتفاقمة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.لا شكّ أنّ الوزير شربل وهبة ارتكب “خطيئة” بتصريحاته الأخيرة. قد يقول قائل إنّه “حُرّ” بآرائه، وبأنّه ليس من حقّ أحد أن يحاسبه على قناعاته وأفكاره. لكنّ مثل هذا القول يفتقر إلى المنطق، منطق يبدأ من كون وهبة وزير خارجية، وليس ناشطًا أو قياديًا حزبيًا، ومنطق يؤكد حاجة لبنان لـ”تصحيح” علاقته مع أصدقائه التاريخيّين، لا أخذها بكلّ ثبات نحو “المجهول”!