أبدى رؤساء الحكومة السابقون، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، وتمام سلام، استغرابهم الشديد من الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية الى رئيس مجلس النواب طالباً اليه مناقشة مضمونها في الهيئة العامة للمجلس النيابي واتخاذ التدبير او الإجراء او القرار المناسب بشأنها. وتعليقاً على ما ورد فيها يبدي الرؤساء الثلاثة السابقون الملاحظات التالية:
أولاً: إن رسالة رئيس الجمهورية مليئة بالمغالطات وفيها تحوير للوقائع التي حصلت في تكليف الرئيس الحريري بمهمة تشكيل الحكومة حتى اللحظة الراهنة. إذ إنّه حاول خلافاً للحقيقة تحميل الرئيس المكلف مغبَّة التأخير في تشكيل الحكومة وامتناعه عن القيام بهذه المهمة وفقا للأصول. والحقيقة التي يعلمها الرأي العام اللبناني انه فور صدور قرار التكليف بدأ الرئيس المكلف سعد الحريري، ووفقاً لأحكام الدستور بإجراء الاستشارات النيابية مع الكتل المختلفة دون استثناء، وعكف على وضع مشروع لتشكيل الحكومة ووضعه بين يدي رئيس الجمهورية دون تأخير. وصرح أكثر من مرة انه على استعداد للحوار مع رئيس الجمهورية بشأن التفاهم معه على هذا الامر. إلاّ أن ما جرى وما قد أصبح معروفاً لدى جميع اللبنانيين، هو خلاف ما قاله الرئيس في رسالته تماماً. إذ إنّ الرئيس المكلّف لم يلق تجاوباً ولا تعاوناً بل وُضعت العراقيل في طريقه والتي حاول رئيس الجمهورية فرضها، ومنها مسألة الثلث المعطل، وأعراف جديدة أخرى متعارضة مع أحكام الدستور ولا يقرها نظامنا الديمقراطي البرلماني.
ثانياً: يهم رؤساء الحكومة السابقون التوضيح ان البند 10 من المادة 53 من الدستور وإن كان يعطي رئيس الجمهورية الحق بتوجيه رسائل الى مجلس النواب في قضايا وطنية عامة، إلاّ أنه وفيما خصّ موضوع تشكيل الحكومة فإنّ الدستور قد أوضح أحكامه وقواعده بشكل واضح وصريح، وبما ينسجم مع مبادئ النظام البرلماني القائم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات وبما يلزم كل سلطة أن تلتزم حدود صلاحياتها وأن لا تتجاوز حدود هذه الصلاحيات أو تطغى على صلاحية سلطة أخرى.ثالثاً: نصت المادة 64 من الدستور (البند 2) على أن رئيس مجلس الوزراء (رئيس الحكومة المكلف) يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة وبعد ذلك يضع باعتباره رئيساً للحكومة ومسؤولاً عن أعمالها أمام مجلس النواب مشروعاً لتشكيلها بما يؤمِّن الخروج بحكومة منسجمة ومتضامنة وذات فعالية وقادرة على أن تنال ثقة مجلس النواب، وكذلك ثقة اللبنانيين. وبالتالي يقترح على رئيس الجمهورية التشكيلة التي انتهى اليها ويتم التداول والنقاش والتفاهم بشأنها مع رئيس الجمهورية، ويصدر رئيس الجمهورية نتيجة ذلك، بالاتفاق معه مرسوم تشكيلها وفقاً لما ينص عليه الدستور.إنّ رئيس الحكومة المكلف قد راعى القواعد والأصول والتزم بالأعراف الدستورية ولم يخرج عنها، وأبدى كل تجاوب وتعاون ممكن ولكنه كان يواجه في كل مرة بعقبات وبمطالبات تخرج عن الدستور وتجنح إلى إدخال من لا شأن له بمسألة تشكيل الحكومة، لإعطائه دوراً خلافاً لأحكام الدستور.رابعاً: إنّ أكثر ما استوقف رؤساء الحكومة السابقين وما أثار استغرابهم في رسالة رئيس الجمهورية إعطاء نفسه دور الوصي على مهمة ودور رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة وتجاوز ذلك الى إعطاء نفسه دور الضابط والمحدد لمهمته، سواءً لجهة إلزامه بمعايير يحددها له في تشكيل الحكومة او وضع قيود او شكليات يجب اتباعها بما يجعله في حالة من التبعية لرئيس الجمهورية، وبما ينزع عن رئيس الحكومة دوره الدستوري المبادر والمسؤول، عن عملية تشكيل الحكومة.إنّ ما احتوته رسالة رئيس الجمهورية في هذا الشأن يطيح بأحكام الدستور الواضحة والصريحة وبمبدأ الفصل بين السلطات وبالأسس التي يقوم عليها النظام الديمقراطي البرلماني. ويشكل انقلاباً حقيقياً على الدستور، وهي الممارسات عينها التي عطلت تطبيق احكام الدستور، كما عطلت تشكيل الحكومة ووضعت البلاد على حافة الانهيار.خامساً: إننا نقدر لرئيس الجمهورية حرصه على المصلحة العامة وغيرته على منفعة الشعب، تبريراً للرسالة التي وجهها الى مجلس النواب. وكان يمكن أن يكون تقديرنا أكبر بكثير لو سهَّل تشكيل الحكومة، ولو أراد فعلاً التخفيف من معاناة الشعب وعدم إقحام مجلس النواب والكتل والأحزاب السياسية في النقاشات التي تزيد النار اشتعالاً، ولكان من الأسهل سلوك المسلك الدستوري الآمن، وارتضى بالاحتكام الى مجلس النواب بدل توريط البلاد كلها في لحظة مفصلية خطيرة، في جدل سياسي ودستوري بل وطائفي، يمكن أن يطيح بما تبقى من قواعد العيش المشترك في الوطن اللبناني، وذلك بالعمل على توقيع مرسوم تشكيل الحكومة وفقاً للصيغة التي قدمها اليه رئيس الحكومة المكلّف، ويرسلها إلى مجلس النواب المناط به إعطاء الحكومة الثقة أو حجبها عنها، وهكذا يكون رئيس الجمهورية قد حوّل جهنم إلى برد وسلام