هذه قصة إدمان شربل.. هل يقبله المجتمع؟

20 مايو 2021
هذه قصة إدمان شربل.. هل يقبله المجتمع؟

كتبت جنى جبور في “نداء الوطن”: “من كأس كحول احتساها ثمّ سيجارة “حشيشة” دخّنها، الى مدمن انقلبت حياته رأساً على عقب. أخطاء كثيرة اقترفها “شربل” وهو يحاول الهروب من مشاكله، لكنه “عَلِق” ولم يجد طوال خمسة عشر عاماً “مخرجاً” لإدمانه.

يشاركنا شربل قصته. هو اليوم قد أصبح في بدايات العقد الخامس من عمره ولا يخجل من الكشف عن ماضيه “الأسود” ويقول: “وجعي سبب إدماني. كنت الحلقة الأضعف في المنزل، ظننت أنّ المخدرات هي الحلّ الأنسب للتخلص من مشاكلي وأنّ باستطاعتي التوقف عنها متى شئت. لكن جرعة واحدة لا تكفي وآلاف الجرعات لا تُشبع. لم أنجح في التخلّص من إدماني على الرغم من برامج التأهيل المتعددة التي خضعت لها. وكنتُ في كل مرّة أخرج فيها من مركز “قرية الإنسان” أعود لأنتكس من جديد لسببين: الأول هو النقطة السوداء على سجلي العدلي (على الرغم من إنهائي البرنامج التأهيلي). وهذا ما منعني من العمل في “شركة أمن” بعد اجتيازي دورة تدريبية بنجاح، ما يؤهلني للوظيفة الجديدة التي كنت أعول عليها كثيراً بهدف تأمين راتب يساعدني على إكمال حياتي في شكل طبيعي. والثاني: لثقتي بأنني “قبضاي”، لا أحتاج الى الإلتزام بتوصيات المرشدين في المركز، في وقت كنتُ فيه في أشدّ الحاجة للعناية والمتابعة وهكذا عدتُ، الى السرقة والترويج، ورأيتُ حياتي “تتدمّر” أمامي بالكامل. كل ذلك حصل قبل العام 2014. حينها قررتُ أن اكون صادقاً تجاه نفسي وأن أعاود العلاج بكل شفافية لأتغلب على مصاعبي في الحياة”.

…وهذا ما حدث. أنهى شربل فترة تأهيله بنجاح في العام 2015 بعد جهد جهيد ومعاناة وتعب وأوجاع نفسية وجسدية على حدّ سواء. قرر الشاب الباحث عن “عمرٍ جديد” أن يولد من جديد وأن يسلّم حياته للرب. أمّن له الأب علاوي عملاً في أحد المراكز التابعة له، فجمع المال وتمكن من شراء سيارة وأصبح حسن السلوك والتزم بكل توصيات المرشدين. التقى بعدها شريكة عمره ولم يخفِ عنها قصته مع الإدمان. صارحها بكلِ شيء وقرر أن يؤسس معها مستقبلا فيه “نور” فتزوجا منذ عامين، إلّا أنّ “الحب” لم يبعد عنه لعنة المخدرات. فبعد فترة، ترك شربل عمله في المركز بسبب الضرر النفسي والتعب الجسدي الذي لحق به ولم يعد قادراً على تحمل “خرمة المدمنين” (النوبات التي يشعر بها المدمن في خلال العلاج) والبروتوكولات التي تُتبع في سياق إعادة التأهيل، ولا سيما أنّها كانت تذكره بكلِّ ما مرّ فيه من آلام وعلاجات. وما زاد الطين بلّة، وفاة والد زوجته أمام عينيه ومن ثمّ وفاة والده، اضافةً الى الصعوبات المعيشية الكثيرة، المتتالية، نتيجة الأزمة الاقتصادية في البلاد.
يقبع شربل منذ شهرين ونيّف في “قرية الانسان”. عاد الى المركز مدمناً مدمّراً، الّا أنّ عزيمته جعلته مصرّاً على المحاولة من جديد للتخلّص من ذنوب الماضي.رحلةُ المريض المتعافي من الإدمان محفوفة بالصعوبات. وبعد مسيرة طويلة يمضيها في العلاج ينتهي به المطاف في أحيانٍ كثيرة إلى الانتكاسة من جديد بسبب “النقطة السوداء” التي تشكل وصمة على سجلّه العدلي وتحول دون حصوله على وظيفة أو بسبب مجتمع لا يرحم، ويعوق اندماجه مجدداً، فتذهب مساعي الجمعيات ومراكز التأهيل سدىً، على ما يوضحه مدير مركز “قرية الإنسان” آلان تابت، قائلاً: “يصل المدمن الينا فاقداً السيطرة على نفسه، فيواكبه فريق من الاختصاصيين النفسيين والمرشدين الاجتماعيين والروحيين لتأهيله. كذلك، ننظّم له دورات تدريبية في الطبخ بعد أن اتفقنا مع وزارة السياحة على السماح لمن انهى مرحلة التأهيل بالعمل في مجال الفندقية من دون طلب سجل عدلي. الى ذلك، تختلف فترة العلاج بحسب قدرة كل مريض. وفي شكل عام يدخل المدمن الى قرية الإنسان باسم “نزيل” ثم يتحول بعد ثلاثة أشهر الى “ملاك” (يصبح مسؤولاً عن نزيل جديد) ثم يتطور ليصبح “مسؤولاً عن ورشة” من ثم “مشرفاً” أو “مسؤول بيت”. ثمّ يدخل مرحلة “الإنخراط” اي الإندماج في المجتمع، فيقضي نصف الأسبوع في المركز والنصف الآخر خارجه. الى حين يجد وظيفة فيكون بذلك قد وصل الى المرحلة الأخيرة، مرحلة “المتابعة”، فنواكبه سنتين أو ثلاثاً لنتأكد من حسن سلوكه ونساعده في حال تأزم وضعه”.تساعد هذه المراحل التأهيلية الشخص للإنطلاق في رحاب الحياة من جديد. لكن، للأسف، سرعان ما يتحول الى ضحية المجتمع والقوانين. وبحسب تابت: “لا تجد غالبية شبابنا اي فرصة عمل في مرحلة الإنخراط بسبب سجلهم العدلي، فيتحمل الأب علّاوي مسؤولية تأمين وظائف لهم في فروع الجمعية. إلا أنّ هذا الموضوع بات يشكل ضغطاً هائلاً بالنسبة إلينا، نظراً للصعوبات المادية التي يعاني منها لبنان ككل. لذا، يجب ألّا نعامل المدمن كمجرم أو أن نحرمه من أبسط حقوقه فهو لم يقرر بوعيٍ السير في هذا الطريق. ولا أحد يعلم مدى صعوبة مرحلة التأهيل والوجع النفسي والجسدي اللذين يمر بهما المدمن، لذلك سنستمر بمطالبة المعنيين بالأخذ في الإعتبار، وضع الشخص الذي أنهى التأهيل والنظر بمسألة سجله العدلي ومنحه الفرصة كي لا تحُول “النقطة السوداء” والأحكام على سجلّه دون اندماجه بطريقة صحيحة في المجتمع الذي يلعب دوراً أساسياً في تقبله ومساعدته على التعافي بدل الحكم عليه ورجمه”.