عقدت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية مؤتمرا صحافيا جاء فيه: بعد أن طفح كيل الأساتذة من الوعود الواهية التي انهالت عليهم بعد كل أضراب، أو اجتماع مع مسؤول عن الملف الجامعي، وبعد أن بُحت أصوات المنادين عن رفع الظلم عن أكبر صرح تربوي في البلد، وبعد أن بدأ آخر مداميك الأمل بالانهيار، نجتمع اليوم بالصحافة اللبنانية، الرافعة الأساسية لهموم المواطن ومشاكل المؤسسات العاملة في الوطن، تلبيةً لما نتلقاه كل يوم من صرخات استغاثة صادرة عن حناجر مزقها الظلم، وصدور أتعبها الصبر.
تواجه الجامعة اللبنانية أشرس وأخطر المعارك، وهي متروكة وحيدة في مواجهة مصيرها. هي التي لها اليد الطولى في النهوض بالعلم والثقافة في البلد، هي التي أسهمت في تخريج دفعات ودفعات من أبرز الطلاب في مختلف الاختصاصات، هي التي جعلت اعلى الشهادات في متناول الجميع، إنها تترك اليوم في مهب العاصفة تطلق صرخات الاستغاثة ولا من يجيب… وكأن الأمر لا يعني أحداً.
المشاريع تتهاوى الواحد تلوى الأخر، من دون أن يسمى مسؤول واحد عن افشال أي منها، فالجميع مغلوب على أمره ولا حول لهم ولا قوة. نذهب عند المسؤولين التربويين الكبار حاملين الملفات في أيدينا، وناقلين صرخات المقهورين في حناجرنا، لكي نفاجأ بأن المسؤول عاجز عن حل المشاكل، فهو الذي يشكو لنا وليس العكس.
لقد طفح الكيل فعلاً.
كل القطاعات أطلقت صرخات الاستغاثة، ونحن كأساتذة، كنا نعضّ على الجرح، ونضغط على أنفسنا، لكي نقوم بأداء واجبنا. نعتبر أنفسنا جزءاً من الشعب اللبناني الذي تتقاذفه الأمواج العاتية… لكن، لم يعد بمقدور أي منا الاستمرار… لقد استُنفدت كلّ الطاقات، وصُرفت كل المُدّخرات.
نواجه، بالإضافة الى الظلم اللاحق بالطبقة المتوسطة في لبنان، حالةً من اللامبالاة، والتنصّل من المسؤولية، لم يعد جائزاً السكوت عنها. وكأن على الأستاذ أن يذوب، ويحترق، ويُدمّر لكي تكتمل رسالته.
ما نمرّ به أقل ما يُقال فيه جريمةٌ بحق الكرامة ِالإنسانية، وبحق العلم والمعرفة.
إنها جريمة بحق الإنسان في لبنان. إذ أن حرمان الاستاذ من الأمان المعيشي والصحي والاقتصادي له سلبياتٌ كبرى ستطاول الطلاب الأعزاء وأهاليهم أيضاً.تعاني الجامعة على المستوى الإداري، اذ لا عمداء أصيلين منذ ما يقارب ال3 سنوات. كما أنه مع تعطيل مجلس الجامعة منذ ما يقارب السنتين، خسرت الجامعة إدارتها الجماعية التي ترعى شؤونها.ثم أن اتفاق البنود السبعة الذي عقد مع وزارة التربية في العام 2019 والذي أوقف اضراباً دام 50 يوماً لم يُنفذ منه شيء، لغاية الساعة، وبقيَّ حبراً على ورق.الجامعة بحاجة ماسة الى تفريغ أساتذة جدد، فعدد المتعاقدين فاق بأضعاف عدد المتفرغين، وذلك خلافاً للنظام العام في الجامعة. ملف التفرغ عالق منذ فترة وقد أضرب الأساتذة المتعاقدون لمدة شهرين من غير أن يصلوا الى أي نتيجة تُذكر.حوالي ألف أستاذ متفرغ ينتظرون دخولهم الى الملاك، وهذا من حقهم، وفق القانون، مما يوفر لهم الأمان الوظيفي، لا سيما في هذه الظروف القاسية التي نمرّ بها جميعاً. مع الإشارة الى أن ملفهم عالق في أدراج وزارة التربية منذ الصيف الماضي.الأساتذة المتفرغون الذين يُحالون الى التقاعد، جرى العرف على إدخالهم بمراسيم إفرادية الى الملاك قبل بلوغهم السن القانونية للتقاعد، لكن، تمَّ تعطيل هذا العرف منذ ما يقارب السنتين، ورُمي الأساتذة المتقاعدون في مهبّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد من دون سند. لقد وجد المتقاعدون أنفسهم بلا ملاك، فحُرموا من المعاش التقاعدي، كما حُرموا من التغطية الصحية والاجتماعية التي يؤمّنها صندوق التعاضد.هناك في المجلس النيابي ثلاثة مشاريع عالقة: مشروع قانون معجل مكرر يحفظ حق المتفرغين الذين بلغوا سن نهاية الخدمة في الدخول الى الملاك. ومشروع قانون يعطي الأساتذة ثلاث درجات استثنائية أسوة بالقضاة التي حرموا منها لوحدهم في العام 2017. ومشروع قانون يضيف 5 سنوات على سنوات خدمة الأستاذ الجامعي لاحتساب المعاش التقاعدي كان قد أقره المجلس ولكن رئيس الجمهورية كان قد رده. القيمة الشرائية لرواتب الأساتذة تضاءلت وفقدت أكثر من 80% من قيمتها وبات راتب الأستاذ لا يكفي لشراء ما هو ضروري له ولعائلته، الأمر الذي أشعل الغضب في النفوس، لا سيما أن الأستاذ المتفرغ بالكامل للجامعة ليس له الحق ولا القدرة بأن يجد مدخولا اَخر بخلاف المهن الأخرى. لذلك فإن العديد من الأساتذة يفكرون جدياً بالاستقالة من الجامعة والبحث عن فرص عمل تعيد لهم كرامتهم في المهجر. إن ما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية انعكس سلباً على آدائهم الأكاديمي وسط صمت مطبق وتجاهلٍ أعمى بصرَ السلطةِ ومنعها من اتخاذ أي إجراء إصلاحي لهذه الرواتب، خصوصاً أن سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة لم تطال أساتذة الجامعة والوعود بالدرجات الثلاث ما زالت حبراً على ورق. لن نرضى بأن يكون أساتذة الجامعة كبش محرقة على طريق انهيار البلد.
كما أن الطلاب يعانون أشد معاناة من جراء الوضع الاقتصادي الصعب فلم يعد بمقدورهم حتى التنقل الى الجامعة، في الوقت الذي ستعاود فيه الجامعة الدوام حضورياً وهم يفتقدون الى الحد الأدنى من الدعم الذي يمكَنهم من مواجهة التحديات، إضافة الى غياب الاهتمام بالأبنية والتجهيزات.موازنة الجامعة في تدهورٍ مريع، إذ لم تعد تكفي لشراء المستلزمات الضرورية التي أصبح سعرها على دولار السوق السوداء غير مقبول.صندوق تعاضد أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية لم يعد الملاذ الصحي الاَمن للأستاذ الذي عليه أن يدفع الملايين قبل أن يدخل الى المستشفى. بات الأمن الصحي لكل منا في خطر، والجميع تحت وطأة الخوف من دخول المستشفى لأي سببٍ كان.إن الوضع في الجامعة اللبنانية بلغ حداً من التدهور لا يُطاق، ولا يمكن تحمّله بعد الان. لم يعد بمقدور الأساتذة ان يستمرّوا في السكوت عن المماطلة في معالجة الملفات العالقة التي لها دخل بمطالب الجامعة. وإذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه من التجاهل، فإن الجامعة بطلابها ال85000 وأساتذتها وموظفيها ال10000 ستذهب الى الإقفال القسري… وهذا ما بات ينتظرنا حتماً في حال عدم التدخل السريع من أجل معالجةٍ فائقةِ الدقّة والفعالية.في الختام، نتوجه الى حضرة رئيس الجامعة البروفسور فؤاد ايوب، وحضرة معالي وزير التربية الدكتور طارق المجذوب ومعالي وزير المالية الدكتور غازي وزني، لنناشدهم بالقيام بما يمليه الضمير، وما يفرضه الواجب، من خلال مبادرات استثنائية، غير مسبوقة، تتناسب مع المرحلة التي نمرّ بها جميعاً.قضية الأستاذ في الجامعة اللبنانية، هي قضية كل بيتٍ لبناني، بشكل أو بآخر.الظلم اللاحق بالأستاذ سوف ينعكس سلباً على دائرة أكبر بكثير منه شخصياً ومن عائلته.لذا وجب إطلاق هذه الصرخة التحذيرية من المصير المشؤوم الذي ينتظر المجتمع اللبناني، في حال انهيار الجامعة اللبنانية، وذلك من خلال إعلان الإضراب التحذيري طيلة الاسبوع القادم وتوقف كافة الاعمال التعليمية والمخبرية والامتحانات، على أن ينعقد مجلس المندوبين في التاسع والعشرين من الجاري ويرفع التوصيات التي يراها مناسبة.اليوم صرخة تحذيرية، وغداً توقف قسري عن العمل.كفى تجاهلاً.كفى تقاعساً.كفى مماطلة.إنه نداء استغاثة قبل ان تلفظ الجامعة النفَس الأخير.اللهم أشهد أني بلّغت.وأخيرا نشكر كافة وسائل الإعلام وكافة الإعلاميين الذين تفضلوا بتغطية هذا المؤتمر الصحفي.