على رغم أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال حصر الجلسة النيابية بتلاوة رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دون مناقشتها، أقفل الباب على مواقف من شأنها تسعير الكباش بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي من جهة وتيار المستقبل من جهة ثانية، إلّا أنّ التشنّج بدا واضحًا بين الفريقين، وليس أدلّ على ذلك سوى عدم تبادل التحيّة بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل أثناء لقائهما في الجلسة، بحيث عمد كلّ منهما إلى تجاهل الآخر، أو على الأقل هذا ما بدا أمام الإعلاميين الحاضرين داخل قاعة الجلسة. وإن غاب الكلام أو حتّى السلام بينهما، حرصت أوساط التيار الوطني الحر على تسريب كلام مفاده أنّ باسيل حضّر كلمة مدوّية فيما لو تطورت الجلسة إلى مناقشة الرسالة وكان هناك كلمة للرئيس الحريري.
الرئيس بري وعملًا بالنظام الداخلي لمجلس النواب أرجأ الجلسة ملتزمًا بمهلة الأربع وعشرين ساعة التي نصّت عليها المادة 145 من النظام الداخلي لمجلس النواب، خلافًا للتوقعات التي رجّحت أن تُرجأ جلسة المناقشة لنهار الإثنين. ولكن السؤال ما الذي سيحصل من اليوم حتّى الغد؟ وهل الإتصالات التي لم تتبلور طيلة الأيام الثلاثة التي أعقبت رسالة الرئيس عون ستتبلور بالساعات القليلة المقبلة في الفترة الفاصلة عن جلسة السبت؟.
“نعم هناك مسعى يُحضّر في الكواليس” كشف عنه مصدر نيابي لـ “لبنان 24” بحيث يسعى الرئيس نبيه بري لجمع الحريري وباسيل على مائدة العشاء في عين التينة، وفي لو نجح المسعى يسبق اللقاء جلسة السبت، ويمر عندها قطوع مناقشة الرسالة، وما يمكن أن تفجّره المناقشة من مواقف سياسية بأبعاد طائفية، البلد بغنى عنها، ولكن وبحسب المصادر نفسها هذا المسعى لم ينجح بعد، وأمامه عقبات أبرزها أنّ باسيل يصّر على أن يكون اللقاء بينه وبين الحريري في القصر الجمهوري وليس في أيّ مكان آخر، بالمقابل الرئيس الحريري ليس متحمّسًا للقاء من أساسه. في إطار المساعي، حصل لقاء جمع بري بالحريري قبل انعقاد الجلسة، علمًا أنّ الللقاء بينهما هو أمر طبيعي يحصل على هامش كل جلسة. بعد رفع الجلسة غادر كلّ من الحريري وباسيل ورفضا التصريح، وفي ذلك إشارة إيجابية برأي المصادر إفساحًا في المجال أمام المسعى.
بشأن سيناريوهات جلسة الغد، استبعدت مصادر نيابية صدور توصية عن مجلس النواب ورجّحت أن تخلُص الجلسة إلى صدور موقف بوجوب تأليف الحكومة كونها المدخل لكبح عجلات الإنهيار وتدفق المساعدات الخارجية. بأيّ حال ما يصدر عن المجلس ليس ملزمًا، وبالتالي “جلسة الرسالة هي لزوم ما لا يلزم” وفق توصيف مصدر نيابي، خصوصًا “أنّ نزع التكليف غير جائز دستوريًا” وأي قرار يصدر عن الجلسة لن يكون ملزمًا لأي فريق. في السياق بدا لافتًا تسويق نواب التيار الوطني لإمكان صدور توصية تطلب من الرئيس المكلف الإعتذار، وهو ما استبعده أكثر من مصدر نيابي.
في مضمون الرسالة التي تلاها مجلس النواب على مسامع الحاضرين أشار عون إلى نتائج تأخير التأليف على البلد الذي يعاني من اختناق مالي واقتصادي يهدد بأقسى العواقب، مضيفًا “لا يجوز أن يأسر الرئيس المكلف التأليف إلى أفق زمني غير محدد لا سيّما وأن الحكومة المنتظرة هي حكومة إنقاذية.” ومما ورد في الرسالة أنّه من الثابت أنّ الرئيس المكلف عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل مع الدول المانحة لتدفق المساعدات، وأنّه لا زال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبّده متجاهلًا كل مهلة معقولة للتأليف. من هذا المنطق لا محالة في التقييد بأصول ونهج تأليف الحكومات واعتماد معايير واحدة في التأليف. أضاف عون في رسالته “كوني مؤتمن بصفتي رئيس للجمهورية على ضرورة تأمين الثقة للحكومة في مجلسكم الكريم، كي لا تنتقل الأمور من حكومة تصريف أعمال إلى أخرى تصرف الأعمال، لا سيما وأنّ الرئيس المكلف يصر على تشكيلة لا تحظى بثقتنا وهو منقطع عن التشاور مع رئيس الجمهورية”. وأشارت الرسالة إلى أنّ المواد الدستورية صريحة كونها تولي رئيس الجمهورية اختصاصًا صريحًا في معرض استيلاد الحكومات بالإتفاق مع الرئيس المكلف ولا يكون الرئيس مجرد موثّق للتشكيل.
الإنظار تتجه إلى جلسة الغد والساعات التي تسبقها، إذ أن عدم نجاح مساعي التهدئة من شأنه أن يفجّر الأجواء السياسية داخل الجلسة وخارجها والإطاحة بأي مسعى لتأليف الحكومة.