كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: أكثر من خمسة ملايين لبناني ينتظرون منذ أكثر من تسعة أشهر توافقا سياسيا لانتاج حكومة تنقذهم من براثن الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي دفعت بلدهم نحو الحضيض، وتعيد لهم الحياة الكريمة التي إفتقدوها تحت ضغط الغلاء والبطالة والفقر والجوع وإنقطاع المحروقات وغياب الكهرباء وفقدان الأدوية والسلع الأساسية، فيما أهل الحكم يُمعنون في إبتكار الأساليب الخلافية التي تحول دون التأليف المنشود، وكان جديدها أمس في الجلسة النيابية التي خصصت لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث مرّ الرئيس المكلف سعد الحريري من أمام مقعد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وتعمد تجاهله وعدم إلقاء التحية عليه، ليتعمد بعد خمس دقائق باسيل المرور من أمام مقعد الحريري من دون أن يسلم عليه، ليكون بذلك “وحدة بوحدة”.
“لعب الأولاد” هذا، يشير الى أن ما يعانيه اللبنانيون الذين يكادون يلفظون أنفاسهم الأخيرة على أبواب جهنم، لا يعني أهل الحكم المنشغلين بخلافاتهم الشخصية وتصفية حساباتهم وتسجيل النقاط على بعضهم البعض، ما يؤكد أن الطبقة الحاكمة تعيش في عالم آخر بعيد جدا عن المسؤولية الوطنية التي من المفترض أن يتحلوا بها..تشير المعلومات الى أن الرئيس نبيه بري الذي إكتفى في الجلسة النيابية أمس بتلاوة رسالة رئيس الجمهورية وبرفع الجلسة الى بعد ظهر اليوم السبت تحسبا لأي تشنجات سياسية وطائفية قد تؤدي الى ما لا يُحمد عقباه في بلد بات على كف عفريت، قد أدار محركاته مجددا لتدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر تحسبا من إنفجار الخلافات داخل المجلس النيابي، والاستفادة من رسالة عون لتحريك المياه الحكومية الراكدة، لكنه واجه الكثير من الصعوبات بسبب تشبث كل فريق بموقفه.
وتقول هذه المعلومات: إن الرئيس بري إلتقى الرئيس الحريري أمس، وحاول إقناعه بعقد لقاء مع جبران باسيل للتفاهم على الخطوط العريضة، لكن الحريري رفض ذلك، إنطلاقا من قناعته بأن باسيل يعمل مع الرئيس عون على إحراجه لاخراجه، وليس من أجل إيجاد المخارج لتشكيل الحكومة.
وبحسب المعلومات، فقد أبلغ الحريري بري أنه سيلقي كلمة في جلسة اليوم يرد فيها على رسالة الرئيس عون العبارة بالعبارة والكلمة بالكلمة والموقف بالموقف، مشددا على أنه لن يتهاون في ممارسة صلاحياته التي يكفلها الدستور.
أمام هذا الواقع، من المفترض أن يكون للجلسة النيابية اليوم ثلاثة سيناريوهات هي:الأول: أن ينفجر الخلاف في مجلس النواب برد عنيف من الرئيس الحريري يقابله رد أعنف من باسيل، ما ينقل البلد من أزمة تشكيل حكومة الى أزمة حكم، وهذا ما يسعى الرئيس بري الى تلافيه بشتى الطرق.الثاني: أن ينجح الرئيس بري في التخفيف من التشنجات وخفض حدة الخطابات التحريضية، وبالتالي تمرير الجلسة بأقل الخسائر، أو ربما من دونها، بما يؤسس لامكانية نجاح مساعيه في إتمام لقاء الحريري ـ باسيل في الأيام المقبلة، خصوصا أن الرجلين يشعران بأنهما لم يعد لديهما حلفاء داخل مجلس النواب، مع تبدل موقف وليد جنبلاط من الحريري، ونأي أكثرية التيارات السياسية بنفسها عن الدخول طرفا في أزمة الرسالة العونية.الثالث: أن تفشل كل المساعي فيختار الرئيس بري أهون الشرين، وهو تطيير الجلسة النيابية إما بتأجيلها لأسباب وطنية قاهرة، أو بمنع إكتمال النصاب فيها، وبالتالي رمي كرة النار مؤقتا.تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن الاتصالات التي بدأت بعد رفع جلسة أمس ستستمر وتتفعل الى حين موعد جلسة اليوم، فهل تنجح المساعي في جعل رسالة عون مقدمة للحل، أو تفشل ويذهب البلد نحو الانفجار؟..