كتب جورج شاهين في ” الجمهورية”: كان واضحاً انّ الحريري لم يأخذ في الاعتبار ما رافق جلسة السبت من تحضيرات، سهر رئيس مجلس النواب نبيه بري على ترتيب ما أراده منها وللخروج منها، بأقل الخسائر الممكنة على المتنازعين والبلد. فقد لوحظ انّ كلمة الحريري المكتوبة قد صيغت قبل ان ينشط بري على جبهة بعبدا ـ ميرنا الشالوحي من جهة و”بيت الوسط” من جهة أخرى، تحوّطاً لما يمكن ان تقود اليه الرسالة الرئاسية. ولم يعدّل الحريري فيها اي حرف، عقب الكلمة التي ألقاها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، متجاهلاً التفسيرات التي قدّمها لمضمون الرسالة وأهدافها. فهو كان عارفاً انّ ما جاء فيها لا يتطابق وما هو معلن من أهداف ونيات، للتخفيف من حدّتها التي عبّرت عنها المحاولات الفاشلة التي قام بها أكثر من طرف ومسؤول لترتيب العلاقة بينه وبين باسيل. ولذلك، فقد اصرّ الحريري على إجراء قراءة للنص بما جاء فيه، متوسعاً في محاكمة للنيات ومضمونها، معطوفة على ما جاء في رسالة عون المماثلة الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبل أيام عدة، فشملهما معاً.
ويقول العارفون، انّ الحريري بقي مصرّاً على مضمون كلمته وكما أُعدت قبل ايام من دون اي تعديل فيها، لمعرفته بموازين القوى داخل الجلسة. فهو يعرف سلفاً مصيرها بالمنطقين الدستوري والسياسي، بعدما عبّر اكثر من طرف لاستحالة اعادة مجلس النواب النظر في ما انتهت اليه الاستشارات النيابية الملزمة، عدا عن التضامن الذي عبّر عنه بري وقوى أخرى، من بينها زعيم “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وكتلة “الحزب السوري القومي الإجتماعي” وبقية الأصوات التي جمعها عندما نال اكثرية “عادية” عند تكليفه مهمة التأليف، من دون ان يرصد اي تعديل على موقف “القوات اللبنانية” التي ما زالت على موقفها المناهض للتيارين الأزرق والبرتقالي، وتحتفظ بموقعها الوسطي، والذي يُحتسب لمصلحته في النتيجة، في ضوء تنسيقها غير المعلن عنه مع بري.ولا يخفي العارفون، أنّ الحريري لم يتسلّح بميزان القوى الداخلية فحسب. فالمواقف الاقليمية والدولية التي تساعد الفرنسيين في ترجمة مبادرتهم متمسّكة به وبمهمته، وإن عاد البعض إلى المواقف الأوروبية والعربية والمصرية خصوصاً، يدرك انّهم جميعاً لم يوافقوا على اي نقاش في اسم بديل منه طوال الفترة السابقة. وعند الدخول في التفاصيل المملّة، فهم من شدّوا أزره لمنعه من الإعتذار عن هذه المهمة لألف سبب وسبب. وهم يراهنون على مبادرات إضافية قد تنطلق قريباً سعياً الى اعادة تجميع القوى الخليجية الى جانب المبادرة الفرنسية، وهو أمر سيخوضه الرئيس الفرنسي شخصياً خلال زيارته الرياض مطلع الشهر المقبل.