بعد لقاء ماكرون عون.. هل تستعيد فرنسا “مبادرتها”؟

27 مايو 2021
بعد لقاء ماكرون عون.. هل تستعيد فرنسا “مبادرتها”؟

عادت فرنسا إلى دائرة الضوء لبنانيًا في الساعات الماضية، مع اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقائد الجيش العماد جوزف عون، ولو أنّ التركيز فيه انصبّ على وضع الجيش اللبناني والتحديات التي يواجهها في هذه المرحلة، والدور المطلوب منه للحفاظ على الاستقرار، ولو بالحدّ الأدنى المُتاح.
 
لكنّ ملفّ الحكومة المجمَّد منذ أشهر لم يَغِب عن جوهر اللقاء، ليس لأن تشكيل الحكومة يُعتبَر “مفتاح الاستقرار”، وفق ما يقول منطق الأمور المعمول به، ولكن لأنّها حضرت في الكلام المقتضب الذي نُسِب لماكرون بعد اللقاء، والذي جدّد فيه التأكيد بأنّ تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات شرط لتقديم مساعدات دولية.
 
ولكن، ماذا في خلفيّات اللقاء الذي كسر ما يشبه “الاعتكاف الرئاسيّ” الفرنسي عن الشأن اللبنانيّ، منذ إلغاء ماكرون زيارته إلى لبنان، وصولاً إلى إيفاد وزير خارجيّته جان إيف لودريان في زيارة لم تُفسَّر في الأوساط الداخلية سوى سلبًا؟ وهل من “رسائل” يوجّهها ماكرون إلى أفرقاء الداخل من خلال استقباله قائد الجيش؟
 
فرنسا لم “تيأس” بعد؟!
 
يقول بعض المتحمّسين للدور الفرنسيّ في لبنان إنّ باريس “لم تستقِل” من مهمّتها بعد، حتى يُقال إنّها عادت لتلعب دورًا على خطّ الأزمة اللبنانية، رغم “انكفائها” لبعض الوقت، إن جاز التعبير، نتيجة الكثير من المعوّقات والصعوبات التي واجهتها، إلا أنّها لم تدفعها إلى “اليأس”، أقلّه حتى الآن، ولو أنّ “اندفاعتها” خفّت كثيرًا عمّا كانت عليه قبل أشهر.
 
ومع أنّ الكثير من المراقبين يكادون يجزمون بأنّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “نعى” المبادرة الفرنسيّة بصورة مضمَرة خلال زيارته إلى لبنان، يرى آخرون أنّ هذه المبادرة لا تزال حيّة تُرزَق، بدليل أنّ العقوبات التي تلوّح بها باريس منذ فترة، في إطار تبنّيها سياسة “العصا والجزرة”، لم تُعلَن بعد، ولو أنّ كلّ المؤشّرات تؤكد “البتّ” بأمرها، وأنّها تحتاج فقط إلى بعض “التمهيد” قبل أن تدخل حيّز التنفيذ.
 
ولعلّ خير دليل على استمرار مفاعيل “المبادرة” الفرنسيّة يتمثّل في “الحركة” التي تشهدها باريس هذه الأيام، حيث سبقت زيارة قائد الجيش، زيارة أخرى لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وإن بقيت مداولاتها “سرية”، في وقتٍ تتحدّث بعض “التسريبات” عن زيارةٍ قد يقوم بها رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري خلال أيام إلى العاصمة الفرنسية، وهو الذي لم يخرج راضيًا أو مرتاحًا من لقائه مع لودريان في بيروت.
 
ماذا عن باسيل؟
 
قد لا يكون مُستغرَبًا أن يُحكى عن “امتعاض” لدى رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل من الحراك الفرنسيّ المُستجِدّ، هو الذي كاد قبل أسابيع أن يحطّ في باريس، مبديًا كلّ انفتاح ومرونة، قبل أن “يشوّش” عليه الحريري برفضه عقد أيّ لقاء معه، ما دفع باريس إلى “إلغاء” الزيارة المفترضة، باعتبار أنّ الأهداف المرجوّة منها انتفت.
 
إلا أنّ “امتعاض” باسيل لا يقتصر اليوم على عدم دعوته، ولكن على استقبال قائد الجيش تحديدًا، وهو ما يقرأ فيه مقرّبون منه رسالة “سلبية” إلى الوزير السابق، الذي يتعامل مع العماد عون منذ فترة وكأنّه “خصمٌ لدود”، في ضوء المواقف التي يطلقها الأخير بين الفينة والأخرى، لكن قبل ذلك، لاعتقاد باسيل أنّ قائد الجيش صاحب “طموح سياسيّ”، وهو لذلك قد يشكّل له منافسًا محتملاً، بل “ندًّا” في الانتخابات الرئاسية التي يطمح لخوضها.
 
ومع أنّ عون التقى ماكرون، بصفته الرسميّة قبل كلّ شيء، إلا أنّ باسيل يبدو “قَلِقًا” وفقًا للعارفين من مسار الأمور، علمًا أنّ المقرّبين منه يؤكّدون أنّه ينتظر “إشراكه” في أيّ وساطةٍ مقبلة، بعدما اتّضح للداخل والخارج أنّ أيّ حلّ لا يمكن أن “ينضج” إذا لم يكن جزءًا منه، وهو مستعدٌ للتعامل بإيجابيّة مع أيّ طلبٍ فرنسيّ، تمامًا كما فعل قبل أسابيع، حين أتى “التعطيل” من غيره، وهو ما ينبغي أن يدركه الفرنسيّون جيّدًا، برأي هؤلاء.
 
لا يكفي وجود جنبلاط وعون في باريس، وحتّى الحريري “ثالثهما”، للتفاؤل بـ”خرق” على الخطّ الحكوميّ، أو باستعادة فرنسا مبادرتها بعد طول “انكفاء”، ولو أنّ البعض يقول إنّها ربما “أخذت روحًا” من جهود رئيس البرلمان نبيه بري. لكنّ الأكيد أنّ الحلّ الحقيقيّ يتطلّب أكثر من مجرّد لقاءات، في ظلّ “فيتوات” يُعتقَد أنّها باتت بالجملة، مهما كابر المكابرون وعاند المعاندون!