يُحكى في الكواليس السياسيّة عن “مهلة” لا تتجاوز الأسبوعين أمام الاتصالات الحكوميّة التي عادت لتسجّل “نشاطًا ملحوظًا” في الأيام القليلة الماضية، فإما تُفضي إلى ولادة حكوميّة ميمونة، برضا ومباركة الجميع، وإما تعمّق “الشرخ” أكثر، فتتعقّد الأزمة، التي باتت تقارب “المحظور”، وتكاد تصل إلى “المستحيل”.
ليست المرّة الأولى التي يُحكى فيها عن “مهلة” في الملفّ الحكوميّ، لكنّ الجديد في التسريبات هذه المرّة أنّها تستند إلى تصريحٍ لرئيس مجلس النواب نبيه بري، تحدّث فيه عن “فرصة لا بدّ أن نتحيّنها لإيجاد حلّ وتفاهم يفضي سريعًا إلى تشكيل حكومة إنقاذيّة”، مشيرًا إلى أنّ هذه الفرصة، التي يخشى أن تكون الأخير “سقفها الأعلى أسبوعان على الأكثر”.
ولأنّ هذا التصريح، الذي نبّه فيه بري من أنّ كلّ تأخير يصعّب الأمور ويعقّدها الأكثر، تزامن مع “تفعيله” لمبادرته المجمَّدة منذ أسابيع طويلة، فإنّه أضفى “صدقيّة” على المهلة المستجدّة، فهل بتنا أقرب من أيّ وقتٍ مضى إلى الحكومة “الموعودة”؟ وهل يصبح للبنانيين حكومة أصيلة أخيرًا قبل أن تنقضي مهلة الأسبوعين؟!
“فرصة” ولكن!
لا شكّ أنّ كلام رئيس البرلمان لم يَأتِ من فراغ، يقول العارفون، الذين يشيرون إلى أنّه لم يعتَد أن تطلق التصريحات جزافًا، علمًا أنّه تعمّد طيلة الفترة الماضية على “تحييد” مبادرته عن الصراعات، لإدراكه أنّ لا حظوظ لها في ظلّ الكباش القائم بين فريقي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
وفي حين فُسّر “تحييد” بري لمبادرته في المرحلة الماضية في إطار تفاديه “إحراقها” في المعمعة الحاصلة، يرى كثيرون أنّ طرحها اليوم يستند إلى وجود “فرصة حقيقية” يعتقد بري أنّها موجودة أكثر من أيّ وقتٍ مضى، خصوصًا بعد جلسة مجلس النواب الأخيرة، التي خُصِّصت لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون حول التأخّر في تأليف الحكومة، والتي حصل فيها تبادل الرسائل “القاسية” بين الجانبين.
لكن، رغم “السلبيّة” التي أفضت إليها الجلسة في الأجواء العامة، يعتقد رئيس المجلس وفقًا للعارفين، أنّها فتحت المجال أمام تفعيل الوساطات والمبادرات، لأنّ الفريقين أدركا أنّ طريق “العناد” لن يفضي إلى مكان، ولا سيما بعدما أدرك فريق رئيس الجمهورية أنّ “سحب التكليف”، الذي كان يتوخّاه، ويجتهد لإيجاد “المَخارِج الدستوريّة” له، غير وارد سوى عن طريق حلّ البرلمان، وبالتالي الذهاب إلى انتخابات مبكرة ينبذها هو قبل الآخرين.
“تعويل” على “الأصدقاء”!
وإذا كان بري يعتقد أنّ “تليين” المواقف قد لا يكون صعب المنال، فإنّه يدرك أنّ دون “التفاهم” المطلوب للحلحلة الحكوميّة عقبات كثيرة قد لا تكون سهلة، ولذلك فهو “يعوّل” على الدعم والمساندة من قبل الحلفاء والشركاء، ولا سيّما “الأصدقاء المشتركين” الذين يمكنهم أن يلعبوا دورًا مسهّلاً، طالما أنّ الجميع بات مقتنعًا أنّ تشكيل الحكومة هو “مفتاح الحلّ”.
وقد يكون “رهان” بري الأكبر على دور “حزب الله” في هذا السياق، وقد نال ما أراد من خلال موقفه “الضمنيّ” الأخير، إذ رغم “تموضعه” على جري العادة في المنطقة الوسط، عبر التمسّك بعون والحريري في آن، إلا أنّه بمنحه رئيس البرلمان “التفويض الكامل” لمواصلة مسعاه، أرسل رسالة واضحة إلى الفريق “الرئاسيّ” لضرورة التجاوب معه، بعيدًا عن “الأحكام المُسبقة” التي كان بعض “العونيّين” يروّجون لها، من باب أنّ بري ليس وسيطًا محايدًا، كونه في صفّ الحريري.
وإلى الرهان على الداخل، ثمّة رهان على دورٍ خارجيّ “مساند” لبريّ، قد تتقاطع الرؤى على خطّه بين باريس وموسكو، علمًا أنّ عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “قلب” الملفّ اللبناني من بوابة استقباله لقائد الجيش جوزف عون، وإيحائه بصمود “المبادرة الفرنسية” ليس تفصيلاً في هذا الإطار، في ظلّ تكهنّات بدور يلعبه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أيضًا في هذا الإطار، وهو الذي زار باريس أيضًا.
هي “الفرصة الأخيرة”، يقول بري، فيما يعتقد كثير من اللبنانيّين أنّ كلّ الفرص استُنفِدت، بعدما وصلت الأزمة إلى “ذروتها”، فيما بعض السياسيين يرفضون أن يروا. يكفي مشهد “الإذلال” المتكرّر أمام محطات المحروقات، معطوفًا على المشاهد غير المسبوقة في الصيدليات، وحتى السوبرماركت، ليدلّ على “عمق” الأزمة. فهل يأتي “الفرج”، أم أنّ “المطامع” ستبقى فوق كلّ اعتبار؟!