ليست المؤسسة العسكرية أسوة بالمؤسسات الأمنية الأخرى بمنأى عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي أصابت اللبنانيين، لا سيما الذين ينتمون إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وموظفي القطاع العام وبعض موظفي القطاع الخاص. فعناصر المؤسسة ليسوا بعيدين على الإطلاق عن الحفرة الجهنمية التي وصل إليها البلد بفعل سياسات السلطة الحاكمة وأدت به إلى الإنهيار على كل المستويات، وبالتالي فإن القلق يكمن اليوم في أن متوسط الأجر الذي يتلقاه العنصر في الجيش اللبناني يبلغ نحو مليون و200 ألف ليرة ويتجاوز المليونين بالنسبة للضباط، علماً أن سعر صرف الدولار يبلغ 13000 ليرة، وهذا يعني أن استمرار الوضع على ما هو عليه سوف ينذر بالأسوأ على صعيد المؤسسة العسكرية التي شهدت في الأشهر الماضية عمليات فرار لعدد من عناصرها. والخشية أن الأزمة التي يمر بها الجيش قابلة للازدياد بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المتردية والتي سوف تزداد سوءا عند رفع الدعم.
الحاجة أكثر من ملحة لتأمين الدعم للمؤسسة العسكرية التي تعاني ما تعانيه، وعطفا على الهبات المقدمة الى الجيش من المغرب( مواد غذائية) والعراق ( 3 ملايين دولار ومحروقات ومستلزمات طبية وغذائية)، فإن فرنسا التي زارها قائد الجيش العماد جوزاف عون أكد رئيسها إيمانويل ماكرون دعم الجيش لما في ذلك من استقرار للبنان ومواصلة تقديم المساعدات والهبات وبرامج التدريب المشتركة. لكن الاهمية تبقى في نجاح باريس في تنظيم مؤتمر دعم الجيش في حزيران المقبل برعاية الأمم المتحدة. وفي هذا الاطار لم يتضح بعد ان كانت زيارة قائد الجيش الى الولايات المتحدة المقررة في الاسابيع المقبلة سوف تسبق المؤتمر ام تعقبه، لكن الثابت ان وفدا اميركيا سيزور لبنان قبل زيارة العماد عون الولايات المتحدة ، علما أن السفارة الأميركية في واشنطن بدأت التحضير لزيارة قائد الجيش التي سيلتقي خلالها وفق المعلومات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن واللجنة الأميركية المكلفة ملف المساعدات العسكرية الأميركية للجيش ورئيس لجنة القوّات المسلّحة في مجلس الشيوخ وقائد القيادة المركزية الأميركية فضلاً عن عدد من المسؤولين.
وبحسب المصادر المطلعة على الأجواء الدبلوماسية فإن زيارة العماد عون إلى واشنطن تكتسب الأهمية الأكبر، فالإدارة الأميركية تكاد تكون الوحيدة من الدول الغربية التي تخصص مساعدات مالية للجيش اللبناني كل عام، وهي قدمت هذا العام 120 مليون دولار، بزيادة بلغت 15 مليون دولار عن العام الفائت بهدف ضبط الحدود. ورأت المصادر نفسها أن زيارات قائد الجيش إلى دول أخرى كفرنسا هدفها محصور بزيادة المساعدات اللوجستية المتصلة بقطع الغيار والمحروقات والتعويل يبقى على جهود باريس لعقد مؤتمر دعم الجيش خاصة وأن هناك اجماعا غربيا على مساعدة الجيش والمحافظة على وحدته وقوته.في خضم كل التشاؤم الدولي والغربي من الطبقة السياسية العاجزة عن تأليف حكومة مهمة تنفذ إصلاحات من شأنها إتاحة مساعدات مالية خارجية للبنان، فإن الدعم الغربي منكب حصرا حول الجيش الذي يبقى المؤسسة الوحيدة الضامنة لاستقرار لبنان لا سيما أن الاوضاع التي يمر بها على المستوى الاقتصادي قد تدفع نحو انهيار معيشي وامني سوف يتطلب تحرك الجيش درءا لأي أنفلات أمني ، خاصة وأن هناك اكثر من مليون نازح سوري في لبنان، هذا عطفا عن أن احتمال دخول البلد في فراغ رئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون يستوجب توسيع دائرة دعم الجيش وقائده لتمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة فلا رهان خارجي الا على الجيش.ومع ذلك، الأكيد وفق المصادر، أنه وبمعزل عن الرسائل التي حملها استقبال ماكرون للجنرال عون في سابقة لم تحصل من قبل والتي تركت قلقا عند السياسيين الطامحين للوصول الى سدة الرئاسة بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، فإن جولات العماد عون الذي يحظى بدعم اميركي وبتأييد لما يقوم به لمصلحة المؤسسة العسكرية يجب أن لا تحمل أكثر مما تحتمل. فهذه الزيارات الغربية مردها استشعاره بخطر الأزمة التي قد تعصف داخل المؤسسة اذا استمرت الاوضاع على ما هي عليه، وهذا يعني ان الاستقبالات التي حظي بها للعماد عون في فرنسا والتي سوف يحظى بها في الولايات المتحدة لا تحمل رسائل سياسية لأحد اقله في الوقت الراهن.