تحولات نوعية وتطورات متسارعة في المنطقة.. أين لبنان منها؟!

31 مايو 2021
تحولات نوعية وتطورات متسارعة في المنطقة.. أين لبنان منها؟!

تتسارع التطوّرات والاستحقاقات في المنطقة، راسمةً معالم “خريطة جديدة” على أكثر من مستوى وصعيد، حيث تتداخل تحوّلات نوعية، بعضها لم يكن مرتقبًا حتى الأمس القريب، في أجواء من الحوارات والتفاهمات، المفتوحة في الوقت نفسه على التوترات والتشنّجات، التي لا تخلو من المفاجآت التي لا تبدو بقليلة.
 
فإلى فيينا تتّجه الأنظار، حيث تستمرّ المفاوضات “المصيرية” حول الاتفاق النووي، قبيل الانتخابات الرئاسية المقرّرة في إيران، والتي يُعتقَد أنّها حُسِمت قبل أن تبدأ، في ضوء طبيعة الترشيحات التي وافق عليها مجلس صيانة الدستور، والتي أوحت بأيام “فاصلة” للمفاوضات مع الولايات المتحدة، قد لا تكون متوافرة بالزخم نفسه في الإدارة المقبلة.
 
يجري ذلك في ظلّ حوارات بالجملة لا شكّ أنّه سيكون لها انعكاساتها على الجو العام، من الحوار السعودي الإيراني الذي تقول الرياض إنّه لا يزال في مراحله الأولى، التي تصفها بـ”الاستكشافي”، إلى السعودي السوري، في ضوء الزيارة اللافتة التي قام بها وزير السياحة السوري إلى المملكة، وما حملته من دلالات، كونها الأولى من نوعها منذ سنوات.
 
تأثيرات بالجملة على المنطقة
لا تقف التحولات والاستحقاقات هنا، فما بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ليس كما قبله، وهذا ما توحي به أجواء الحراك السياسيّ القائم الذي يستند إلى عنوان تثبيت وقف إطلاق النار، لكنّه يتجاوزه بالمعاني والدلالات، التي أوحت به مثلاً زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكينازي إلى القاهرة، وهي الأولى من نوعها منذ 13 عامًا، بالتوازي مع زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إلى الأراضي الفلسطينية.
 
ومن مفاعيل العدوان الأخير أيضًا أنّ فلسطين فرضت نفسها على “أجندة” الإدارة الأميركية التي كانت قد اتخذت قرارًا بـ”إهمال” منطقة الشرق الأوسط إلى حين، قبل أن تضطر على وقع التصعيد إلى الدخول على الخطّ، وهو ما تجلّى في جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأخيرة التي شملت تل أبيب ورام الله وعمّان والقاهرة، في ظلّ اهتمامٍ أميركيّ بدأ يُرصَد حول المنطقة وشجونها، بصورة عامة، خلافًا لما كان الوضع عليه مع إدارة دونالد ترامب.
 
لا شكّ أنّ لكلّ ما سبق تأثيراته وانعكاساته على المنطقة المُثقَلة بالأزمات والحروب، من سوريا إلى اليمن مرورًا بليبيا وتونس والجزائر، دون أن ننسى العراق الذي شهد في الأسبوع الماضي “فصلاً جديدًا” من التوتر والتشنج، وضع وفق بعض التسريبات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على المِحَكّ، ليبقى لبنان القابع منذ أشهر في “صومعته”، وسط جمودٍ سياسيّ وفراغٍ قاتل، وشلل وفوضى ينعكسان على المواطن الذي فقد كلّ قدرة على الصمود.
 
أين لبنان من تحوّلات المنطقة؟
لطالما كرّر اللبنانيون معزوفة أنّ بلدهم ليس “جزيرة معزولة”، كلما أثير ملّف تطوّرٍ ما في الإقليم القريب أو البعيد، ودار نقاش حول تأثيراته وانعكاساته على أزماتهم، خصوصًا أنّ لبنان لطالما كان منقسمًا بين شطرين، وفقًا لتوزيع المحاور السياسيّة في المنطقة، بين من يوالون ما يُعرَف بـ”محور الممانعة”، بقيادة طهران، ومن يجد في المقابل، المصلحة في ما يُعرَف بـ”التضامن العربي”، الذي تمثّله دول الخليج.
 
ولا شكّ أنّ هذا الانقسام لا يزال يتجلّى في لبنان، وربما أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وما استعراض بعض الأحداث الأخيرة، ولا سيّما أزمة “الثقة” مع المملكة العربية السعودية، سوى الدليل على ذلك. إلا أنّ ما قد يكون عصيًّا على استيعاب وفهم الكثيرين أنّ لبنان، بكلّ أزماته ومصائبه، يقف في مرتبة متأخّرة في “لعبة الأمم”، حتى أنّ الحديث عن “نقاط قوة” يختزلها الملف اللبناني، لم يعد واردًا، لاعتقاد كثيرين أنّ لبنان فقد موقعه الرياديّ على أكثر من صعيد.
 
 ينتظر لبنان “مصير” الاتفاق النووي، ويعوّل على الحوار السعوديّ الإيرانيّ، ويراهن في مكانٍ آخر على التقارب السعودي السوري غير المسبوق، معتقدًا أنّ هذه الملفّات سيكون لها تأثير تلقائي عليه، بما يفرج عن أزمة الحكومة مثلاً. لكنّ الأزمة كما بات واضحًا، تنبع من الداخل أولاً، وهنا المشكلة الكبرى، فالدول هي التي تنتظر لبنان، والكرة في ملعب قادته، وتقاذفها كما هو حاصل حاليًا، وعلى الطريقة المتَّبَعة، ليس الحلّ.
 
 لبنان ليس جزيرة معزولة، وهو لا شكّ يتأثّر بما يجري بالمحيط، في الظروف العاديّة، فكيف في مرحلة حسّاسة كتلك التي يشهدها الإقليم حاليًا، حيث تتسارع التطورات بصورة دراماتيكيّة إن جاز التعبير. لكنّ كلّ ذلك لا ينفع ولا يفيد إذا ما بقيت “العقليّة” السائدة على حالها، والأهم من ذلك، إذا ما غابت، أو ربما غُيّبت، الإرادة الحقيقيّة بالقفز فوق الخلافات لما فيه مصلحة البلد، وهنا بيت القصيد!