بعدما فشلت كل المساعي الداخلية ومعها الخارجية، وبالتحديد الفرنسية، لحلّ الأزمة الحكومية المستعصية، دخل البابا فرنسيس على خط الأزمة اللبنانية من بابها العريض.
فالفاتيكان معروف عنه، وإستنادًا إلى تجارب سابقة، أنه لا يقوم بأي مبادرة إلا إذا كان متيقنًا سلفًا من الوصول إلى نتائج ملموسة. هذه هي سياسة عاصمة الكثلكة، ليس في لبنان فحسب بل في كل مكان تصل فيه الأزمات إلى نقطة اللاعودة. ويكفي التذكير بسقوط حائط برلين وسقوط الإتحاد السوفياتي ليتبين لنا أهمية “الديبلوماسية الناعمة”.
لم يقدم قداسة البابا على الدعوة إلى عقد سينودس مسيحي في الفاتيكان للبحث في السبل الممكنة والمتاحة لإنقاذ لبنان قبل إنهيار الهيكل على رؤوس الجميع إلا بعدما أجرت الدوائر المختصّة فيه إتصالات رفيعة المستوى مع العواصم التي لها تأثير مباشر على الأزمة في المنطقة، ومن ضمنها الوضع في لبنان.
وفي رأي بعض الذين على تماس مباشر مع مراجع كنسية أن خطوة البابا فرنسيس أتت بعدما وصلته أكثر من رسالة من أكثر من طرف لبناني، وفيها وصف دقيق لما يحصل على أرض الواقع ومدى تأثير تدهور الأوضاع في لبنان على مستقبل جميع اللبنانيين، وبالأخصّ المسيحيين منهم، بعد إرتفاع أعداد طالبي الهجرة إلى خارج البلاد.
وفي المعلومات المتوافرة أن الدوائر المعنية في الفاتيكان، وإستنادًا إلى التقارير التي تصلها من سفارتها البابوية في لبنان، تعرف تمام المعرفة ما يحصل من تطورات على الساحة اللبنانية، وتعرف أكثر مسؤولية المسؤولين المسيحيين في إيصال البلاد إلى ما وصلت إليها من إنهيار على كل المستويات.
وفي التوقعات أن البابا سيوصل عبر البطاركة والأساقفة الكاثوليك الذين سيجتمع معهم بعد شهر من الآن رسائل واضحة إلى المسؤولين المسيحيين، وسيحمّلهم جميعًا من دون إستثناء مسؤولية ما يحصل على أرض الواقع، ومسؤولية مستقبل المسيحيين في “بلد الرسالة”، خصوصًا أنه سمع كلامًا من أكثر من مرجع إسلامي أن لبنان من دون العنصر المسيحي فيه يفقد مبرر وجوده، ويسقط دوره الحضاري في المنطقة التي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز الوجود المسيحي ليس في لبنان فحسب، بل وفي كل المنطقة. وهذا ما هدفت إليه زيارة البابا للعراق ودعوته إلى الإنفتاح والتسامح ونبذ العنف والتعصّب الأعمى.
وفي المعلومات أيضًا أن دوائر الفاتيكان أعطت إشارات واضحة للبطريركية المارونية، بإعتبارها صرحًا وطنيًا، بضرورة التنسيق مع مرجعيات الطوائف الإسلامية من أجل وضع تصور جامع واحد حول الإشكالات التي تعيق طريقة تعايش اللبنانيين تحت سقف واحد، مع إحتفاظ كل فريق منهم بخصوصيته وتعدديته التكاملية مع الآخرين، فق الأنظمة المرعية الإجراء، والتي من شأنها أن تحافظ على حقوق الجميع، في حال طّبقت كما يجب، مع الأخذ في الإعتبار هواجس كل فئة من الفئات اللبنانية.
وإنطلاقًا من الإهتمام الذي يبديه قداسة الحبر الأعظم تجاه لبنان يتبيّن للجميع أن قلبه على اللبنانيين أكثر من أهل الحكم الذين لا تعني لهم المسؤولية سوى إرساء سلطتهم وترسيخها وفرضها على الجميع.