كتب نبيل هيثم في ” الجمهورية”: هو انتحار سياسي يريده المهووسون بالسلطة انتحاراً جماعياً للبنانيين، وهذا ما يتبدّى بأفضح أشكاله في الاستجابة السلبية لكل المبادرات المطروحة للخروج من عنق الزجاجة، وذلك عبر طرح مطالب سوريالية، الهدف منها إجهاض أية محاولة لتشكيل الحكومة، تحت مسمّيات مختلفة، من بينها الثلث المعطّل وتسمية الوزراء المسيحيين… إلى آخر تلك المصطلحات الكارثية التي دخلت القاموس السياسي اللبناني في العهد العوني.
ضمن هذه السردية المملة، تقارب مبادرة الفرصة الأخيرة قبل أن يذهب لبنان، أو بالأصح قبل أن يؤخذ نحو السيناريوهات الأكثر خطورة، التي باتت كلها تدور تحت عنوان واحد: لحظة الارتطام الكبير.
تلك اللحظة تقترب أكثر فأكثر، فيما يصرّ المعطلون على المضي قدماً في المناورة الهدّامة. هذا ما تبدّى بالأمس، حين سعى جبران باسيل، ومن خلفه الرئيس ميشال عون، كعادتهما للهروب إلى الأمام عبر الإيحاء بالموافقة على صيغة الثمانيات الثلاث، وتوزيع الحقائب الوزارية، وفي الوقت ذاته وضع العقدة في المنشار، من خلال رفض مطلب سعد الحريري بتسمية وزراء مسيحيين، ما يعكس كيدية سياسية واضحة لدى الفريق البرتقالي، يبدو الهدف منها إحراج الحريري لإخراجه، من خلال العزف على أكثر الأوتار حساسية في النظام الطائفي اللبناني، والمتصلة بصلاحيات رئيس الحكومة.
ما سبق يكشف عن أخطر أوجه اللعبة السياسية التي يغامر بها الفريق البرتقالي بشؤون البلاد والعباد، ويصح وصفها بأنّها «حرب إلغاء» جديدة، تستهدف تحقيق هدف من اثنين:
– إما إجبار الحريري على التنازل عن آخر ما يحفظ ماء وجهه في شارعه السنّي.
– وإما إجباره على الاعتذار ومن ثم الاستقالة الجماعية لتيار «المستقبل» من مجلس النواب، ليتكرّس بذلك سيناريو الفراغ، الذي يبدو أنّ العهد يريد من خلاله القيام بتطبيق حرفي لمبدأ «الفوضى غير البنّاءة»!
هذا النهج لا يمكن وضعه إلّا في سياق محاولة للانقلاب على الطائف، بكل ما تحمله هذه المغامرة من نتائج مدمّرة، قد تشعل برميل البارود في بلد محتقن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ففي كلا السيناريوهين المشار اليهما سابقاً، سيكون لبنان أمام سابقة خطيرة، لا شك أنّها ستحمل في طياتها العوامل الموضوعية لإنهاء الصيغة الحاكمة للنظام اللبناني.
هي مغامرة متجددة، يحاول مبتدعوها، وبمقاربة مفرطة في العبثية، تكرار مغامرات عرفها تاريخ لبنان القديم والمعاصر، ولم يعد اثنان يختلفان على حقيقة أنّها حملت بذور الخراب الذي بات اللبنانيون يستشرفونه في كل تفاصيل حياتهم.