الخصوم يصفونها بـ”النكتة”.. طاولة الحوار تتصدّر “خيارات” بعبدا!

3 يونيو 2021
الخصوم يصفونها بـ”النكتة”.. طاولة الحوار تتصدّر “خيارات” بعبدا!

في مؤتمره الصحافي الأخير، الذي شكّل بداية “الانقضاض” على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وألحِق بسلسلة بيانات وردود عمّقت “الهوة” ولم تترك للصلح مكانًا، كشف رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل عن درس سلسلة خيارات لمواجهة التأزّم الحكوميّ، مُفصِحًا عن أحدها، وقوامه أن تدعو بعبدا إلى طاولة حوار.

 
صحيحٌ أنّ فكرة طاولة الحوار ليست جديدة، وسبق أن اعتُمِدت في لبنان لمناقشة العديد من الملفّات والقضايا، من الاستراتيجية الدفاعية إلى السلاح الفلسطيني، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنّها المرّة الأولى التي تُطرَح فيها الفكرة لمواكبة أزمة تأليف حكومة، يفترض أنّ النصّ الدستوريّ أكثر من واضح إزاءها، وهو يحصل عملية التشكيل بالرئيس المكلَّف، بالتفاهم مع رئيس الجمهورية بطبيعة الحال.

 
ولعلّ المشكلة الأكبر في طرح باسيل ما يُسرَّب عن أنّ “التيار الوطني الحر” كان أصلاً من تصدّى لفكرةٍ مشابهة طرحها بري في سياق العمل على “تسويق” مبادرته، حين أراد من موقعه “الوسطيّ”، رعاية حوارٍ بين “أركان” الأزمة، فكان رفض قاطع من الوزير السابق للفكرة برمّتها، قبل أن “يتحمّس” لها بشكلٍ غير مفهوم، ومع “خطأ” في الإخراج بنقل “الرعاية” من بري إلى عون، رغم أنّ الأخير طرف “أصيل” في الأزمة!
 
بحث عن دور! 
يقول العارفون إنّ “التيار الوطني الحر”، والوزير جبران باسيل تحديدًا، وجد نفسه في “حَرَج” حقيقيّ بعدما أغلِقت الأبواب في وجهه، فلا هو قادرٌ على تسهيل تأليف حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، وبالشروط التي يضعها الأخير، ولا هو قادرٌ على دفع الرجل إلى الاعتذار، رغم كلّ تقنيّات “الترغيب والترهيب” التي جرّبها معه، ولم تنفع في التأسيس لتفاهمٍ على الحصص والمغانم، من شأنه “تحصين” الحكومة العتيدة.
 
حتى فكرة الانتخابات المبكرة لا تبدو خيارًا حقيقيًا بالنسبة إلى “التيار”، أولاً لأنّ أيّ استقالة من البرلمان دون التنسيق مع “حزب الله” و”حركة أمل” تفقد قيمتها، وقد لا تؤدّي إلى الغرض المنشود منها، خصوصًا بعدما بيّنت الإحصاءات أنّها لا تفضي نظريًا إلى “حلّ البرلمان”، دون أن ننسى عدم حماسة “التيار” نفسه، قبل الثنائيّ الشيعيّ، لأيّ “استفتاء” شعبيّ في ظلّ المعطيات الراهنة والظروف الراهنة.
 
من هنا، جاءت فكرة الحوار في سياق “البحث عن دور”، إن جاز التعبير، بحيث يظهر رئيس الجمهورية مجدّدًا كأنّه من “يجتهد” لحلّ الأزمة الحكوميّة، ولا يوفّر وسيلة دون أن يعتمدها، بما فيها توسيع أفق الحوار ليشمل كلّ المعنيّين، لعلّ استراتيجية أو حكومة تولد من رحم المتحاورين في القصر الرئاسي، فيُسجَّل إنجازًا للأخير، ولو أنّ مثل هذا “الحلّ السحري” يبدو أقرب إلى “الخيال”، باعتراف “العونيّين” أنفسهم.
 
“نكتة سمجة”! 
لكن، بعيدًا عن الحسابات التي ينطلق منها “التيار”، الذي يشعر أنّ “العهد” هُزِم في عقر داره، مع بدء العدّ العكسي لنهايته بعد عامٍ ونيّف، وهو عاجز عن تأليف حكومة يريد منها “تعويض” ما فات، كان من الطبيعي أن تُقابَل فكرة الحوار المستجدّة بنوعين من ردود الفعل، “استهزاء” بالفكرة البعيدة كلّ البعد عن الواقع، توازيًا مع “استهجان” للفكرة التي تنطوي مرّة أخرى على مصادرة للصلاحيات.
 
بالنسبة إلى الرأي الأول، يرى الكثير من خصوم “العهد” أن فكرة الحوار لحلّ الأزمة الحكوميّة هي بحدّ ذاتها “نكتة سمجة”، ليس فقط انطلاقًا من التجربة التي أثبتت أنّ حوارات بعبدا لا تعدو كونها “مسرحيّات استعراضيّة”، لا تفضي إلى أيّ نتيجة عمليّة، ولكن لأنّ مفعولها سيكون “معاكِسًا”، بل قد تعرّض “العهد” نفسه لإحراجٍ هو بغنى عنه، خصوصًا إذا ما تكرّر مشهد الحوار الأخير، الذي قاطعه معظم المدعوّين من المعارضين لرئيس الجمهورية.
 
أما الرأي الثاني، والذي قد يكون الأهمّ، ويفسّر ردّة الفعل “القاسية” للرئيس المكلَّف سعد الحريري والتي لامه الكثيرون عليها، فينطلق من كون استخدام طاولة الحوار لتأليف الحكومة يشكّل “مخالفة فاقعة” أخرى للدستور تُضاف إلى سلسلة “المخالفات” التي ارتكبها ولا يزال “العهد”، خصوصًا أنّها لا تؤدّي سوى لضرب صلاحيات الرئاسة الثالثة، وتحويل الرئيس المكلّف إلى “شريك” مجموعة من القادة في عملية التأليف، خلافًا لكلّ نصوص وحتى تأويلات الدستور.
 
يُقال “اشتدّي يا أزمي تنفرجي”، لكن في لبنان، يبدو أنّ الأزمة كلما اشتدّت، تقترب أكثر نحو “الانفجار”، خصوصًا مع تعميق الهوة والشرخ أكثر فأكثر. وقد يكون “الانفجار” الذي بات موعودًا أكثر من الحكومة، بأوجهٍ متعدّدة، إلا أنّ شقّه السياسيّ يبقى الأقلّ إيلامًا، مقارنةً بالتداعيات الاجتماعية والاقتصاديّة التي ما عادت تُحتمَل، وما عادت تنفع معها الدعوات المتتالية إلى “الصبر” على طريقة “المسكّنات الموضعية”!