يبدو الواقع اللبناني الحالي معقدا الى درجة ظهور الضبابية المطلقة في صفوف مختلف الاحزاب والتيارات والمسؤولين على تعدد مهامهم واختصاصاتهم، ليظهر العجز كصفة اساسية ومواكبة لمختلف المبادرات والمحاولات، بدءا من تحرك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، مرورا برئيس المجلس النيابي نبيه بري وحركة السفراء الأجانب والعرب المتعددة الاتجاهات ووصولا الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.أمام هذا الواقع، الذي يشير بطريق علنية الى انسداد الأفق وغياب الحلول، كيف تتعاطى روسيا مع الملف اللبناني بشقيه الاقتصادي والسياسي، وهل يمكن ان تتدخل موسكو مباشرة في الصراع اللبناني الداخلي؟
نتحاور مع جميع القوى السياسيةفي هذا الاطار يتحدث لـ “لبنان 24” السفير الروسي في لبنان ألكسندر روداكوف، الذي يؤكد ان “لبنان يقع اليوم تحت التأثير السلبي لأزمات عدة ابرزها الازمة المالية والاقتصادية،التي ترافقت مع جائحة فيروس كورونا.
اما انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 آب من العام الماضي، فكان بمثابة المأساة الرهيبة والمحنة الخانقة للبنان ووسط هذه الظروف، تدرس موسكو كل الخيارات المتاحة لمساعدة الشعب اللبناني الصديق، ولقد كان بلدنا في طليعة البلاد التي ارسلت فرقاً من المنقذين من وزارة الطوارئ الروسية إلى بيروت بعد يوم واحد من انفجار المرفأ.
وقد عملت ايضاً مجموعة من الأطباء الروس جنبًا إلى جنب مع رجال الإنقاذ لمساعدة أكثر من 700 ضحية كما تم إجراء ما يصل إلى 1000 اختبار لكشف الاصابات بفيروس كورونا”.
و يضيف روداكوف “موقف روسيا من لبنان، يرتكز على مبدأ احترام سيادته واستقراره ووحدته، فنحن نعارض بشكل قاطع التدخل العلني في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وتاريخياً، لقد اتاحت لنا هذه الاسراتيجية ان نتحاور مع كل القوى السياسية في لبنان، والاستماع إلى وجهة نظرهم حول تطور الوضع الداخلي.
اما الهدف من ذلك فهو المساعدة في إيجاد رؤية مشتركة ومحاولة تقريب المواقف بين مختلف الافرقاء، وفي الوقت نفسه نحن نرفض ان نمارس اي ضغط على طرف ما او ننحاز الى جانب دون آخر”.
قد يحتاج لبنان الى مؤتمر دوليوفي ما خص ملف تشكيل الحكومة، يؤكد السفير الروسي انه “من الضروري العمل بأسرع ما يمكن على تشكيل حكومة جديدة تبدأ في معالجة المهام المعقدة والعاجلة للتغلب على الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بلبنان”.
ويضيف “لن أعلّق على كيفية تصرف المسؤولون تجاه التأليف او عملية الاتفاق على عدد الحقائب والتشكيل، فالقرار يجب أن يتخذ من قبل اللبنانيين أنفسهم بعد المشاورات وعلى أساس التنازلات المعقولة والاحترام المتبادل للمصالح. ولا يمكننا الا ان نرحب بالجهود المبذولة والمبادرات المطروحة لإخراج البلاد من فراغ السلطة.
والبقاء في هذا الوضع قد يستلزم نقل مناقشة مشاكل لبنان الداخلية إلى مؤتمرات دولية، ولكن بدون اتفاق وحوار “على الأرض” لن يجدي نفعا تدويل القضية اللبنانية “.
نريد المشاركة في ترميم مرفأ بيروتوفي ما يتعلق بالعلاقة بين روسيا ولبنان، يرى روداكوف انه “لا يزال فيروس كورونا الذي ضرب العالم في آذار الماضي يشكل أحد التحديات العالمية الرئيسية.
وفي هذا المجال، نحن ندافع عن الجهود الجماعية لمحاربة هذا الوباء وتوفير اللقاحات لجميع المحتاجين. وبحسب “خارطة الطريق” المصادق عليها مع وزارة الصحة اللبنانية العامة، وبعد الحصول على الإذن باستيراد اللقاح الروسي “سبوتنيك V” إلى لبنان ، يجري العمل من قبل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص على ذلك.
و لقد قامت شركة “فارمالين” بالفعل بشراء دفعة اولى من اللقاح مشاركة في حملة التطعيم الوطنية. اما المرحلة الأخيرة من المفاوضات بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة (RFDI) وشركة “أروان” اللبنانية فقد بدأت لتصنيع اللقاح في لبنان، و نتوقع توقيع العقد في الشهر المقبل.
والحكومة الروسية تعمل على إمداد لبنان بلقاحها مجانا بناء على طلبات رسمية من قبل الجانب اللبناني.
أما على صعيد التعاون الثنائي ، فإننا مضطرون مرة أخرى إلى ذكر تداعيات فيروس كورونا، فبسبب ذلك يجب تعديل الخطط اعتمادا على تطور الوضع المحلي، الذي يؤثر مباشرة على إرسال الطلاب اللبنانيين لاستكمال دراستهم في روسيا.
وفي سياق مختلف، وبالنسبة الى المجالات الاخرى، فيستمر تنفيذ المشاريع بمشاركة شركتي (نوفاتيك) و(روسنفت) الروسيتين في لبنان، فالشركاء الروس يعتزمون المشاركة في ترميم مرفأ بيروت، لذلك أقام وفد شركة “الهندسة المائية والإنشاءات” في نيسان مفاوضات مع إدارة مرفأ بيروت وكل من وزراء الطاقة والنقل والصناعة بالاضافة الى البنك المركزي،
كما اننا مهتمون بتنفيذ مشاريع الطاقة والبنية التحتية في لبنان، وأكرر مجدداً ان تشكيل حكومة جديدة فعالة وقادرة هو من الضروريات ليشكل نقطة انطلاق اساسية في تعزيز هذه المشاريع الثنائية”.
بعد روحي للعلاقات الروسية اللبنانيةويختم السفير الروسي ، معربا عن سروره بسبب “تضاعف عدد المراكز التي تقوم بتدريس اللغة الروسية في لبنان من سنة إلى أخرى ما يشير الى ان الرغبة بتعلم اللغة الروسية آخذة في الازدياد”.
مشيرا الى ان “العلاقات بين روسيا ولبنان لها بعد روحي مهم، اذ بدأنا إجراءات التسجيل لانشاء فرع للجمعية الأرثوذكسية الفلسطينية، التي كونت ذكرى جميلة في نفسها عن لبنان،
ولقد أرسلت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية مساعدات مالية إلى ابرشية الروم الأرثوذكس في بيروت التي تضررت في الانفجار،وهناك مجالات كافية لتعميق التعاون بما يضفي منفعة متبادلة بين البلدين”.