رغم التشكيك بحصولها.. لبنان يدخل عمليًا مرحلة الانتخابات!

4 يونيو 2021
رغم التشكيك بحصولها.. لبنان يدخل عمليًا مرحلة الانتخابات!

منذ فترة، يكثر الحديث عن الانتخابات في الأوساط السياسية اللبنانية، على وقع المأزق الحكوميّ الكبير، والعجز عن إحداث أيّ “خرق” يمكن أن يمهّد لولادة الحكومة الموعودة، رغم كلّ الوساطات والجهود، والتي كانت آخرها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، التي أخفقت على ما يبدو، رغم الإجماع على اعتبارها “الفرصة الأخيرة”.

وفيما يستمرّ الجمود السياسيّ، تتفاوت المواقف بشأن الانتخابات. ثمّة من يريدها مبكرة، واليوم قبل الغد، على غرار “القوات اللبنانية”، التي ترى أنّ مفتاح حلّ كلّ الأزمات لن يكون سوى باستفتاءٍ شعبيّ يعيد بلورة الخريطة السياسيّة بالكامل. وثمّة من يفضّل إجراءها في موعدها، على أن يُبحَث في الفترة الانتقالية، التي لم تعد طويلة، في قانون الانتخابات، بعدما تبيّن أنه بحاجة لبعض التعديل والتطوير.

لكن، بين هؤلاء وأولئك، ثمّة من يشكّك بحصول الانتخابات، بمُعزَلٍ عن كلّ التفاصيل، ويعتقد أنّ كلّ ما يُحكى في السياق الانتخابيّ، مجرّد “كلام فارغ”، وربما من باب ملء “الوقت الضائع”، لأنّ لا قرار بإجرائها، لا قبل موعدها، ولا حتّى فيه، طالما أنّ ظروفها غير متوافرة، وأنّ الكثير من القوى السياسية التقليدية ترفضها شكلاً ومضمونًا، متخوّفة من نتائجها، ولو كانت “واثقة” بأنّ الرهان عليها لإحداث التغيير “خائب” سلفًا. بيانات “نارية”.. وخطوط حمراء يبدو أنّ الرأي الأخير هو الغالب، والأكثر رجحانًا، في ظلّ قناعةٍ واسعة بأنّ لا انتخابات ولا من يحزنون، أقلّه في المدى المنظور، بمُعزَلٍ عمّا تقوله بعض القوى السياسية، حتى أنّ العارفين لا يتردّدون في القول إنّ “التيار الوطني الحر” الذي بات يلوّح علنًا بالانتخابات، في سبيل “سحب التكليف” من الرئيس سعد الحريري، هو أول العاملين في الكواليس لـ”إحباط” هذا المسعى، لأنّ الانتخابات برأيه لن تكون أبدًا في صالحه أو في صالح “العهد”. لكن، رغم كلّ ذلك، فإنّ الأجواء السياسية في اليومين الماضيين، لا توحى سوى بأنّ لبنان دخل عمليًا مرحلة الانتخابات، ولو افتراضيًا، بدليل البيانات “النارية” التي تصدر عن مختلف الأفرقاء، والتي تُشرَّع معها كلّ الأسلحة، المتّفَق على توصيفها بـ”الانتخابية”، مع تجاوز بعض ما كانت توصَف سابقًا بـ”الخطوط الحمراء”، في وقتٍ كان يفترض الذهاب إلى أجواء “تهدئة” لو كان الرهان جديًا على المبادرات. وفي هذا السياق، ثمّة من يتوقّف عند البيانات المتتالية لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، إضافة إلى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، والتي لا توحي أبدًا بقرب “الفرَج”، معطوفةً على رفع الرئيس المكلف سعد الحريري سقف التحدّي، ومخاطبته رئاسة الجمهورية، “الأسيرة” كما وصفها، بأسلوبٍ لم يعتد عليه من قبل، ليخلص إلى أنّها بكلّ بساطة “الانتخابات يا عزيزي”، وفق المقولة الشائعة، ولو أنّ احتمال إجرائها لا يزال ضعيفًا. لا انتخابات.. ولا حكومة! ثمّة من يفسّر هذا الأمر بأنّ “التحسّب” لخيار الانتخابات يبقى ضروريًا، طالما أنّ هناك من يدفع باتجاهها، وثمّة من لا يستبعد إمكانيّة أن يلجأ إليها “العهد” في نهاية المطاف، على طريقة “آخر الدواء الكيّ”، كما يردّد قياديّوه، إذا ما أيقن بأنّ الأمور “فلتت من يديه”، لا سيما أنّ “العهد” يقترب من الدخول من سنته الأخيرة، من دون حكومة تسمح بتحقيق أيّ “إنجاز”، ولو شكليّ، لحجب صورة “جهنّم” التي كان أول المبشّرين بها. وفي المقابل، ثمّة من يضع كلّ الجو “الانتخابيّ” الرائج هذه الأيام في إطارٍ مختلف، ليس أكثر من “تضييع الوقت”، عبر إلهاء الرأي العام ببعض النقاشات الجانبيّة، للتغطية على “إفشال” مبادرة الرئيس برّي، لأنّ القرار المُتَّخَذ ليس إجراء انتخابات على الإطلاق، بل عدم تشكيل حكومة بكلّ بساطة، للكثير من الأسباب والاعتبارات، التي يرى البعض أنّها قد تشكّل “تقاطع مصالح” بين الخصوم، رغم كلّ ما يظهر بخلاف ذلك. لكن، أيًا كانت حقيقة الأمر، ثمّة من يؤكد أنّ النتيجة أنّ لا انتخابات في الأفق المنظور، ولكن أيضًا لا حكومة، لأنّ أيّ توافق أو تفاهم لا يمكن أن يتمّ في مثل الأجواء الانتخابيّة “المشحونة” التي تعيشها البلاد هذه الأيام، علمًا أنّ هناك من يستغرب استمرار “التراشق” الكلاميّ في عزّ الترويج لـ”إيجابية” مزعومة على وقع مبادرة برّي، علمًا أنّ الآتي ما بعد المبادرة قد يكون “أعظم”، وبالمعنى السلبيّ العام. قد لا يكون قول وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي إنّه “يعتقد” أنّ الحكومة التي ينتمي إليها، هي التي ستتولى إجراء الانتخابات النيابية، “محض صدفة”، في ضوء الأجواء السائدة حاليًا. لكنّه يبعث إلى الكثير من التساؤلات حول “مصير” انتخابات توضَع على عاتق حكومة، لا تزال حتى اليوم تتوانى عن إجراء استحقاق انتخابي فرعيّ، هو في الحقيقة واجب دستوريّ ولا ينبغي أن يكون وجهة نظر!