أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري الاعتبار لمبادرته الحكوميّة، بوصفها “الفرصة الأخيرة”، لحلّ المأزق المتفاقِم، والتي سيُدخِل فشلها البلاد في متاهةٍ ما بعدها متاهة، خصوصًا مع بدء المؤشّرات الأولية لـ”الانهيار الشامل” الذي يحذّر منه الخبراء منذ أشهر، والذي قد لا يكون محمودًا في أيّ من جوانبه، المُظلِمة بصورة عامّة.
أعاد بري الاعتبار لمبادرته من خلال نجاحه في “فرض” هدنة بين طرفي الأزمة الأساسيَّين، “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، بعد أسبوعٍ “صاخب” شهد “حرب بيانات” غير مسبوقة بين الجانبين، تُوّجت بتراشق كلاميّ من الوزن الثقيل، واتهامات غير مسبوقة، كرّست في مكانٍ ما لعبة “تقاذف المسؤولية” التي ينتهجها الطرفان منذ أسابيع طويلة. وبعد “الهدنة”، تشير الأوساط السياسيّة إلى أنّ بري سيعيد الاعتبار لمسعاه، من خلال تكثيف اتصالاته على خطّ الحكومة بدءًا من اليوم، حيث سيعمل بكلّ قوة على إحداث “الخرق الموعود”، مستفيدًا من حقيقة أنّ أيًّا من الطرفين المعنيَّين غير قادر، عمليًا ولوجستيًا، على الانقضاض على المبادرة، ولو كان يجاهر بالحديث عن “بدائل”، تفوق أضرارها منافعها بطبيعة الحال.
“مرونة” باسيل المشروطة! ثمّة من يعتبر أنّ “هدنة التياريْن” تكرّست خلال عطلة نهاية الأسبوع، في البيان الذي صدر عن المجلس السياسي في “التيار الوطني الحر” بعد اجتماعٍ عقده برئاسة الوزير السابق جبران باسيل، حيث بدا “خارج سياق” البيانات التي سبقته، وابتعد بالمُطلَق عن لغة الاتهام والتخوين بحّق الرئيس المكلَّف والفريق الذي يمثّله. على العكس من ذلك، بدا بيان “التيار” هذا “مَرِنًا وليّنًا” على أكثر من مستوى، فهو أكّد من جهة التزام “العونيّين” بحكومة اختصاصيّين، وفقًا لمقتضيات المبادرة الفرنسيّة، وبرئاسة الحريري شخصيًا، خلافًا لكلّ ما يُحكى عن “شرطٍ” لتغيير الرئيس المكلَّف قبل البحث بأيّ صيغة حكوميّة، أو عن مساعٍ لم تتوقف لـ”إحراجه وبالتالي إخراجه” بل إنّه ذهب أبعد من ذلك بالحديث عن “انفتاح” على أيّ حكومة “يتوافق عليها اللبنانيّون”. للوهلة الأولى، يبدو مثل هذا الكلام، ولو كان “فضفاضًا” في مكانٍ ما، أكثر من “إيجابيّ”، لكنّ هذه الإيجابيّة تبدو “مشروطة” للكثير من الاعتبارات والأسباب، وفق ما يرصد المطّلِعون في البيان نفسه، الذي يتسلّل منه “التيار” لإعلان رفضه لما يصفها بـ”المثالثة المقنّعة”، التي سرعان ما يتبيّن أنّها تنطوي خلف صيغة “8-8-8” التي تقوم عليها أصلًا فكرة الـ24وزيرًا، التي استند إليها برّي بمبادرته، وسبق أن أعلن عون وباسيل موافقتهما عليها. ماذا يريد باسيل؟ يعتبر “التيار الوطني الحر” أنّ تقسيم الحكومة إلى ثلاث مجموعات، يمثّل في مكانٍ ما “مثالثة مقنّعة”، استنادًا إلى أنّ توزيعها طائفيّ، ولو ضمّت وزراء من طوائف متعدّدة، فإحدى المجموعات يتحكّم بها رئيس الجمهورية المسيحيّ، والثانية يتصدّى لها رئيس الحكومة السنّي، والثالثة هي بقيادة “حزب الله” و”حركة أمل”، أو “الثنائيّ الشيعيّ”. يقول المطّلِعون إنّ مشكلة باسيل في هذا السياق ليست مع هذا التوزيع، لأنّه سياسيّ وليس طائفيًا بالدرجة الأولى، فحصّة “الثنائيّ” مثلاً لا تقتصر على وزراء شيعة، وهي تضمّ وزيرًا عن “المردة” على سبيل المثال، وكذلك حصّة رئيس الحكومة التي تضمّ “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يهلّل له “العونيّون” أصلاً من فترة، كونه من الداعين إلى التسوية، وبات أقرب إلى “أمل”، وربما “التيار” نفسه، أكثر من “المستقبل”، أقلّه وفق بعض القراءات السياسيّة. لكنّ “بيت القصيد” الإشكاليّ في المسألة برمّتها، يبقى في الوزيرين المسيحيين اللذين تضمّهما حصّة الحريري، ما يوحي أنّ “المثالثة المقنّعة” ليست أكثر من “حيلة” أرادها باسيل لفرض شروطه حول هذين الوزيرين بالتحديد، ورفضه أن يسمّيهما الحريري بأيّ شكلٍ من الأشكال، ما يعني ببساطة أنّ “عقدة” الوزيرين لا تزال على حالها، إن لم تتراجع إلى الخلف أكثر، وفق ما يؤكد العارفون والمُتابعون. يقول “العونيّون” إنّ الحريري الذي يتمسّك اليوم بـ”حقّه” في تسمية وزراء مسيحيّين في حكومته، سبق أن “ارتضى بالتنازل” عن هذا “الحقّ” عندما شكّل حكومتين في “العهد”، ويردّ “المستقبليّون” بأنّ المقارنة لا تجوز، بعدما انقضى “شهر العسل”، وفضح الكثير من الحقائق. وبين هذا وذاك، يرى كثيرون أنّ مهمّة “مستعصية” تنتظر بري على ما يبدو، ولو نجح في إعادة مبادرته إلى الحياة، عبر فرض “هدنة” يُخشى أن تكون “إعلاميّة”، وعلى طريقة “تقاذف الكرة” أيضًا وأيضًا!