كتبت هيام قصيفي في “الاخبار”: مشهد الأيام الأخيرة أمام المحطات وفي الصيدليات الفارغة والمختبرات المتوقفة عن العمل مشهد انتخابي حقيقي، وبروفا صافية لاستحقاق عام 2022، لأنه يعبّر فعلاً عن شريحة تذعن بكل هدوء لما يمارس في حقها. والأرجح أنها ستعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها. وهذه الطبقة بدأت منذ أسابيع تخوض الانتخابات النيابية، وكأن لبنان يعيش في أفضل أيامه، متعامية عن الانهيارات المتتالية في مختلف القطاعات الحيوية. والمفارقة أن بعض القوى السياسية يتحدث منذ أسابيع عن تحالفات وإحصاءات، وتفوّق عددي في دوائر محددة، وانتصارات مبكرة وتغيير في خريطة المجلس النيابي المقبل، من دون أي اعتبار ضئيل لما يمكن أن تحمله صناديق الاقتراع من ردود فعل معاكسة لنتائج عام 2018، نتيجة سياسة الفقر والتجويع والإذلال اليومي.
من يعمل جدياً في عالم الانتخابات، ويرافق دراساتها وأرقامها، يعرف بطبيعة الحال أن كل هذا الكلام لا قيمة علمية له، قبل عشرة أشهر من موعد الاستحقاق. فالكلام عن توقعات واستطلاعات في الوقت الراهن عبثي، وواضح أنه مجرد رسائل انتخابية للقاعدة الحزبية لهذه القوى، لاستنهاضها ولو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وللأطراف الأخرى، أكثر من كونه كلاماً مبنياً على قواعد علمية وانتخابية معترف بها، فيما الجدية تفترض القول إن استطلاعات الرأي غير ممكنة قبل معرفة كل المؤشرات والظروف التي ترافق العملية الانتخابية، فما يصح اليوم لا يصح بعد أشهر، بحسب الظروف الاقتصادية والسياسية والامنية التي قد تطرأ. كذلك فإن درس التحالفات من الآن فيه كثير من الخفة، قبل اتضاح المنحى الذي ستسفر عنه علاقات القوى السياسية والترتيبات المحلية والإقليمية، وانعكاسها على وضعية كل الأحزاب، فضلاً عن عامل الاستثمار المالي في الانتخابات الذي يترك تأثيرات مباشرة.لكن في مقابل كل ذلك، هناك ثابتة يتحدث عنها العاملون في القوانين الانتخابية وحيثيات الانتخابات، هي أنه حين تتضافر عوامل الانهيار المالي والاجتماعي والاقتصادي، لا يبقى أمام الناس، أو الناخبين، سوى التقوقع مذهبياً وطائفياً، ومن ثم عائلياً وعشائرياً وقبلياً. وهذا تماماً ما يجري حالياً، وتعوّل عليه القوى السياسية، نتيجة ما توصلت اليه في الاشهر، لا بل الأسابيع الأخيرة التي تضاعفت فيها مؤشرات «القمع» الاجتماعي والاقتصادي، من دون أي ردود فعل.