“ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”. هذه الدعوة للبنانيين وردت في بادىء الأمر على لسان وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان يوم كانت المبادرة الفرنسية في أوج زخمها، وبعدها كرّت السبحة. آخر هذه الدعوات جاءت على لسان نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتور فريد بلحاج، الذي أبلغ المسؤولين أنه إذا لم تشكّلوا حكومة فلن نساعدكم. قالها بصريح العبارة من دون تردّد، ومن دون أن يلبس قفازات مخملية. وعلى الأرجح هو مَنْ وراء بيان البنك الدولي بعنوان “لبنان يغرق”، وذلك للدلالة على خطورة الوضع فيه، وتحميل المسؤولين المسؤولية المباشرة لبلوغ لبنان المرتبة الثالثة في سلم أخطر الأزمات في قرن كامل.
على رغم هذا الواقع المبكي والمأسوي لا يزال الوضع على حاله، ولا تزال المواقف تراوح مكانها، مع أن ثمة كلامًا كثيرًا عن أن الأسبوع الحالي سيشهد حلحلة في الملف الحكومي، وهذا ما أشار إليه بالأمس الرئيس نبيه بري، صاحب نظرية “ما تقول فول حتى يصير بالمكيول”، وما لم يجزمه السيد حسن نصرالله. المسؤولون عن الأزمة الحكومية بالمباشر سمعوا في الأيام الأخيرة كلامًا، يُرجّح أن يكون من الفرنسيين، يقولون فيه “ماذا تنتظرون حتى تؤلفوا حكومتكم، هل تنتظرون أن ينهار البلد كليًا ويصبح جميع اللبنانيين في الشارع بعدما باتت المشاكل التي يعانون منها فوق قدر الإحتمال”؟
ماذا سيحصل إذا لم تُحسم الأمور في نهاية هذا الأسبوع، وبالتالي على أي أسس سيكون هذا الحسم، ومن سيتنازل لمن، وعن أي شيء سيتنازل؟ أسئلة مطروحة وبقوة لدى الدوائر الديبلوماسية التي تتعاطى بالشأن اللبناني مباشرة ويهمّها كثيرًا مصلحة لبنان وإنهاء أزماته في أسرع وقت ممكن، مع ما يتطّلب ذلك من جهود من قِبل جميع الأطراف المحليين، المدعوّين إلى التنازل بالتساوي عن الكثير من المصالح الشخصية والطموحات السياسية، التي لن يبقى لها أثر متى أنهار البلد، ومتى دقّت ساعة الحقيقة.
ومع هذا، وعلى رغم خطورة ما نعيشه من ويلات وكوارث، لا يزال البعض يعيش في عالم آخر، وكأن ما يحصل على أرضنا وما يحلّ بشعبنا لا يعني لهم شيئًا، وهم لا يزالون يفكّرون كيف يمكن الإفادة مما تبقّى من “خيرات” هذا البلد، من خلال إعادة إحياء بعض المشاريع، التي يظنّون ربما أنها قد تعود عليهم بالفائدة قبل فوات الآوان.
ويبقى أن نسأل: ماذا لو لم تُحسم الأمور هذا الأسبوع، وماذا لو لم يتّم التوصل إلى صيغة حكومية مقبولة من الجميع؟ مصادر متابعة تتوقع الأسوأ ولا تستبعد أن ينفجر الشارع في وجه الجميع لأن الوضع لم يعد يُطاق، ولأن الوقت ليس وقت ترف أو دلع، وليس وقت تقطيع المراحل وتضييع الفرص.
السيد حسن نصرالله وضع بالأمس اصبعه على الجرح وطالب المسؤولين بأن يسمعوا ما يعاني منه الشعب على كل المستويات، ولكن نقول للجميع أن القطن الموضوع في الآذان يصمّها ويمنعها من سماع صوت الناس. الناس وصلوا إلى حافة الجوع، إن لم يكونوا قد تخطّوها. المسؤولون يضعون قطنًا في آذانهم. لا من يسمع ولا من يجيب أو يستجيب.