أمام مشهد الحيوية السياسية، وخفض التصعيد في الإقليم، والمنطقة، والمفاوضات الجارية على أكثر الملفات حماوة، نشهد أن العقم يسيطر على الحلول في لبنان.على صعيد الحيوية السياسية، تشهد المنطقة مفاوضات جدية بين الأمريكي والإيراني، كذلك فان التفاوض بين الخصوم الحقيقيين قد بدأ بشكل جدي إن على المستوى السعودي – الإيراني، أم على صعيد المفاوضات السعودية – السورية، أم السعودية – الحوثية، يضاف إليها ما أحدثته الحرب الأخيرة على فلسطين من إعادة فتح ملف التفاوض في شؤون القضية المركزية التي تعنى بها الأمة العربية و الإسلامية، أي القضية الفلسطينية.رغم كل تلك الدينامية، وإن كانت لم تبلغ مستويات متقدمة، يعيش لبنان وكأنه خارج المسارات، ذلك أن عمق الأزمة التي يعيشها البلد، ومستوى الإنهيارات في كل القطاعات السياسية، فضلا عن الإقتصادية، والإجتماعية، وحتى الإخلاقية منها التي تؤثر على المستوى الوجودي لهذا الكيان، وتضرب مفهوم الدولة، كلها تشكل حالة معقدة باتت تطلب حلولا عميقة لا تتوافر معالمها بعد.إن أغلب القوى السياسية تتعامل مع الواقع اللبناني وكأنه لا يكفيه ما يعيشه من حجم المصائب، فلا تأبه لما يعانيه المواطنون من الويلات حتى أصبحت العقول اللبنانية تهرول إلى الخارج لتجد لنفسها ملجأ يقيها شر ما يعيشه لبنان، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في هذا البلد.
ورغم كل المساعي، والمحاولات، سواء على مستوى الخارج أم على مستوى الداخل كلها، وحتى اللحظة، فهي لم تصل إلى خارطة طريق لإيجاد الحلول الممكنة، والخروج من المأزق، ووقف الإنهيار.فالمشكلة في لبنان عميقة لدرجة لا يمكن حلّها بدون تدخل خارجي جدّي، والنظام السياسي الذي حكم لبنان إنهار ولا يمكن ترميمه، وحتى لو تشكلت حكومة، فأي حكومة تستطيع إخراج البلد من المأزق؟ فمستوى التعقيدات، وكيفية الخروج منها، والواقع السياسي الحالي، تمنع تبلور مسار حل للبلد، وعمق الأزمة أكبر بكثير من أن تحدده حكومة، فنحن أمام شلل كامل في المنظومة المالية، والإقتصادية، والقيادات السياسية، والزعامات التي أدارت الواقع السياسي بعد الطائف، عاجزة، مما جعل لبنان على مستوى عالٍ من التشظي في السلطة، تساهم في ذلك تركيبته ذات الطابع التوليفي الطائفي، مما جعله “بلد تسويات”، وام تشهد السلطة فيه حالة مركزية عند طرف دون اخر، فلا يوجد أي قرار في لبنان يمكن أن تتحمله قيادة سياسية واحدة، وكل قرار بحاجة إلى تفاهم أغلب القوى السياسية عليه، و أمام هذا التشظي للقوى السياسية يصبح التصلب عندها من أهم ركائز وجودها.نتيجة عقم الحلول، يقف لبنان أمام مرحلة تأسيسية، ولا يمكن حل الأزمة إلا من خلال جهد تأسيسي في المرحلة المقبلة، وهذا لن يحدث إلا من خلال دور خارجي وازن.وفي المفهوم القائم للواقع الحالي، نقف أمام خيارين: إما تسوية كبيرة في المنطقة، و تحديدا للدول المؤثرة، فيتم بحث ملف لبنان من ضمن ملفات التفاوض، وحتى الآن هذا الخيار غير متوافر كبند أساس. والخيار الثاني إعطاء لبنان جرعة بتوافق دولي لكي لا يسقط السقوط الكبير.في هذه الأجواء، ينتطر الجميع الإنتخابات النيابية المقبلة للإستثمار عليها، وفق ما ستفرزه من نتائج، فالأطراف الداخلية عاجزة عن حلّ عمق الأزمة بلبنان، ولو رغبت بالحلّ، فمستوى أزمة الإطراف السياسية توازي أزمة ما يحدث في الواقع اللبناني.كما أن الدول المؤثرة في الواقع السياسي في المنطقة، ولبنان، كلّ له حساباته حول النظرة لهذا البلد، والكل يبحث عن الإستثمار السياسي، حتى أن هناك من يستثمر بمستوى الإنهيار، وتحت عنوان “إذا لم أكسب سياسيا، أعطل على الرابح المكاسب الممكنة”، فالدول ليست جمعيات خيرية إنما مجموعة مصالح ومكاسب، وهذا ما لم تفهمه القيادات التي أدارت الواقع السياسي في البلد.من المرجح أن أغلب القوى المؤثرة في الواقع السياسي في المنطقة تنتظر الإستحقاق الإنتخابي المقبل، والكل يعمل عليه جاهدا للإستثمار كورقة قوة بالتفاوض حول ملفات المنطقة.والقوى السياسية في لبنان تعيش أشبه بسيرك، فكلُ النظريات، والتفاوض الداخلي، وما تعكسه من تصلب، هو ترفيه للمشاهد، وليس هو حقيقة ما يحدث بعمق الأزمة في البلد، فكل يعمل لحشد جماعته، والإيهام أن العقدة هي وزير من هنا، أو حصة من هناك، أو صلاحية يتعدى فيها كل طرف على آخر.كل ذلك والمعنيون بالملف اللبناني، ينتظرون جميعا التسوية الخارجية، فأغلب الكلام في هذه المرحلة، مع السقوف العالية بالنبرة، هي عبارة عن تقطيع الوقت ليس أكثر، و يبقى السؤال الحقيقي: كيف سيكون شكل الواقع السياسي المستقبلي للبنان، و أي مؤتمر تأسيسي نحن ذاهبون إليه؟