لا تحتاج الامور للكثير من التحليل، فمنذ بدء الانهيار كان واضحا ان الطرف الوحيد القادر على استيعابه وملء الفراغ الناتج عنه هو “حزب الله”، حتى ان الاميركيين الذين بدأوا عملية الضغط، كان مِن بينهم مَنْ يحذر من انزلاق الانهيار الى مستويات ينقلب فيها السحر على الساحر ويصبح الحزب هو المستفيد الاول.
بوصفه قوة اقليمية، يمتلك الحزب تحالفات جدية مع دول كان قد سلّفها الكثير من المواقف والخطوات، كما يمتلك عمقا استراتيجيا قد يصل الى حدود شرق اسيا، وهو استطاع السيطرة الكاملة على الحدود الشرقية مع سوريا من الجانبين في السنوات الماضية، ولا داعي للحديث عن قدرته اللوجستية والبشرية والمالية، من هنا يمكن معرفة عوامل قوة “حزب الله” في مواجهة الانهيار.لم يكن خطاب الامين العام لـ”حزب الله” عن الحصول على النفط من ايران الاول من نوعه، وهو في الحقيقة كرر هذه النظرية مرارا، قبل نحو عام عندما قال عبارة “لن نجوع.. ونحن رح نقتلك” وبعدها قال بما معناه اذا وصلت الامور الى حد معين من الضيق فلكل حادث حديث.
كل المؤشرات من احاديث نصرالله السابقة كانت توحي بإمكان الوصول الى خطوات احادية اذا استمرت الازمة، لا بل كل التسريبات السياسية والاعلامية التي ترافقت مع اصدار بطاقة “الامام السجّاد” اظهرت ان خطوات جدية بدأت في عدة مجالات.لكن الهجوم السياسي المضاد الذي بدأ بعد كلام نصرالله، كان من دون ادنى شك غير مسبوق على خطوات الحزب التي بدأت قبل اشهر، وقد يكون الامر العائد الى الجدية الكبيرة التي حاول نصرالله اظهارها، خصوصا انه وضع معادلة استيراد النفط ومرفأ بيروت في سياق واحد ما يعني انه تخطى فكرة “فدرلة ” الخدمات، والحصول على النفط للشيعة فقط.في السياسة يشكل ما قاله نصرالله نقلة غير متوقعة في التحدي الدولي، اذ انه كان من المتوقع، وفي احسن الاحوال قيام الحزب بإغراق مناطق نفوذه بالنفط والمواد الغذائية والدواء وترك البيئات الثانية لتستفيد على الهامش من هذه الخطوة، لكن ان تكون الخطوة من العاصمة اللبنانية وتستهدف المجتمع كاملاً، ففي ذلك تجاوز للخطوط الحمر.في الانهيار تضرر القطاع المصرفي الى حد بعيد، وهو القطاع المتحالف عضويا مع الولايات المتحدة الاميركية، وكذلك تضررت القوى السياسية التقليدية التي تعايشت مع النفوذ الاميركي في لبنان، حتى ان الجيش الذي يمثل حالة من التوازن بين الحزب وواشنطن يعاني الامرين نتيجة الازمة، في حين ان “حزب الله” بدأ يلوح بأنه قادر على التغلغل الى عمق الاقتصاد اللبناني.لا شك بأن فكرة الانهيار الكامل كانت تقوم على نظرية مفادها انه اذا كان انهيار “حزب الله” يتطلب انهيار البلد وحلفاء واشنطن فليكن، لكن الحزب بدأ يظهر منذ مدة فشل هذه النظرية ويحاول القول انه قادر على الذهاب بعيدا واظهار نفسه امام جزء من الشعب اللبناني انه المنقذ..من كل ما تقدم يطرح السؤال، هل تقبل واشنطن بأن يعزز الحزب نفوذه على “حساب وجودها وسلطتها في لبنان”؟