برعاية رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب جرى إطلاق مؤتمر ملف بيروت من قبل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان بحضور نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي، وكيل الأمين العام والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ميمونة محمد شريف، الممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في الدول العربية الدكتور عرفان علي، مديرة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان تينا كريستيانسن، نائب رئيس برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان طارق عسيران، ممثلين عن وكالات الأمم المتحدة في لبنان، السفير القطري في لبنان محمد حسن جابر الجابر، والوزراء دميانوس قطار، رمزي المشرفية وغادة شريم.
وخلال المؤتمر، كانت مجموعة من الكلمات، ابرزها للرئيس حسان دياب الذي فقال: “نلتقي اليوم احتفاءً بإنجاز برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، ألا وهو التقرير المعنون “ملفّ مدينة بيروت 2021”. إسمحوا لي بدايةً أن أقول إنّ الحكومة اللبنانية قد لجأت، في سياقٍ متّسمٍ بالأزمات المتعدّدة الأوجه التي هزّت بلدنا، إلى المنظمات الدوليّة والدول الصديقة طلبًا للمساعدة. والواقع أنّ منظمة الأمم المتحدة كانت سريعة الاستجابة لنداءاتنا المختلفة. فالثقة الكاملة والمتبادَلة تقع في صلب العلاقة الوثيقة القائمة بين الأمم المتحدة ولبنان الذي يُعَدّ أحد مؤسّسي الأمم المتحدة ولاعب رئيسي في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. في الواقع، تتجّسد هذه الثقة في جميع مجالات أنشطة الوكالات الأمميّة، سواء في الجنوب للحفاظ على السلم والأمن الدولييْن أو في جميع أنحاء لبنان لتعزيز التنمية والتعافي. في خطوةٍ أخرى على مسار التعافي الشاق والطويل، أنتجَ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة التقرير المعنون “ملفّ مدينة بيروت” الذي يُسعدني الاحتفال بإطلاقه، تمامًا كما كنّا ممتنّين لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF) الذي شكّلَ استجابةً متعدّدة الأطراف من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي لتلبية احتياجات اللبنانيين في أعقاب انفجار مرفأ بيروت.
في هذا الصدد، أودّ أن أستبق وأقول إنه في حين أننا نَسعد لمساهمة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة هذه، إلاّ أنّه لا ينبغي اعتبار الاستنتاجات التي خلُصَ إليها تقرير”ملفّ مدينة بيروت” وكذلك إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، عناصر متباينة ومتضاربة. بل وعلى غرار الحقوق المدنيّة والسياسيّة من جهة والحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة من جهة أخرى، أعتقد أنّ هذه الاستنتاجات غير قابلة للتجزئة وتُكمّل بعضها البعض.
في هذا التقرير، تُصوَّر بيروت على أنها “عاصمة في حالة أزمة … بدلاً من اعتبارها تواجه أزماتٍ متعدّدة”. إنّ وضع بيروت المحفوف بالمخاطر لا يُعزى فقط إلى الصدمات الأخيرة التي أثّرت بشدةٍ على سبُل عيش اللبنانيين ولكنْ أيضًا إلى الحواجز الهيكليّة المتجذّرةمنذ وقتٍ طويل، والتي ظهرت على نطاق المدينة وخارج الأحياء المحيطة التي تضرّر تماديًا من الانفجار. من هنا ، لا عجبَ أن يُركّز تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة على بيروت بحدّ ذاتها، وبالنظر إلى أنّ الغالبية العظمى من اللبنانيين يقيمون في المدن وفي المقام الأول في العاصمة التي يُعتبر مرفأها القلب النابض لكلّ لبنان.
وعليه، وبناءً على تعريف “برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية” UN-Habitat، إن المنطقة الحاوية لبيروت ومحيطها المبني، موضوع الدراسة، تضم 31 بلدية تفتقر إلى البيانات الدقيقة والمحدّثة والعابرة للقطاعات والمفصّلة.
وكما يرد في الدراسة، فإنه بدون فهم شامل وتشخيص للحالة الراهنة في تلك المنطقة، لا يمكن أن تكون هناك معالجة فعالة على أساس مقاربة شاملة وتخصيص المساعدات لتحسين نوعية وكمية خدمات البلديات المعنية. وإنني أتطلّع إلى رؤية كيف يمكن السلطات الوطنيّة والمحليّة والمنظمات الدوليّة والمجتمعيّة استخدام التحليل الشامل الذي يقدّمه هذا التقرير بهدف توجيه مسار التعافي على نطاق المدينة والذي قد ينسحب بعد ذلك على أجزاء أخرى من لبنان. في الواقع، ومنذ عام 2010، تعمل وحدة إدارة مخاطر الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء على زيادة مرونة لبنان وليس فقط بيروت في مواجهة الكوارث حيث أصبحت هذه الأولوية الآن أكثر إلحاحًا. وفي نطاق عملها، تقوم الوحدة بدمج الحد من مخاطر الكوارث في الاستراتيجيات والسياسات وخطط العمل. إن دعم أنشطة إدارة مخاطر الكوارث يساعد بالتأكيد في تعزيز قدرة البلاد على مواجهة مخاطر الكوارث المعرضة لها.
إذ يُصوّر التقريربدقّة الظروف غير المستقرّة السائدة في بيروت، لاحظتُ أنه ينطوي على “بعض المؤشّرات التي تدعو إلى القلق لما ستَحمله المرحلة المقبلة” في حال لم يتمّ التعامل مع هذه الظروف على النحو الواجب وفي الوقت المناسب، وأقتبس: “زيادة التوتّرات بين الجماعات في بيروت على طول خطوط الصدع الاجتماعيّة والعرقيّة والجنسيّة والدينيّة، وجرائم الجوع، ومشاكل الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد، والانقسامات الموجودة مسبقًا، والبؤر ذات الكثافة السكانيّة العالية، والاكتظاظ وسوء الخدمات”. وفي حين أنني لا أستهين بالهواجس الواردة في تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة في هذا الصدد، إلاّ أنني أودّ، من باب توخّي الوضوح، أن أبدي الملاحظات التالية: 1- لقد تألفت حكومتي من وزراء تكنوقراط في أعقاب انتفاضة تشرين الأول 2019 واستجابةً لصيحات الشعب اللبناني. لقد بدأنا عمليّة الإصلاح على أساس خطة رئيسيّة للتعافي المالي والاقتصادي والاجتماعي والإصلاحات الهيكليّة التي اعترفَ المجتمع الدولي بمزاياها. غير أنّ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 شكّلَ نقطة تحوّلٍ في عمر الحكومة، حيث أنني تقدّمتُ باستقالة حكومتي لتشكيل حكومة تحظى بتأييد أوسع مروحة من القوى السياسية.
2-اليوم، قد أصبح جليًا أنّ مَهمّتنا لم تقتصر على الأزمات غير المسبوقة والمتزامنة والمتعاقبة، بل تضمّنت أيضًا إرثًا مُثقلاً بسوء الإدارة والمشاكل التي طالَ أمدها.
3- في جميع الديمقراطيّات، تُعَدّ الاختلافات المفاهيميّة أمرًا طبيعيًا في مجتمعٍ نابضٍ بالحياة ومتنوّع. ومع ذلك، فإنّها تصير أكبر وأكثر بروزًا في ظلّ ظروف شاقة. وعلى الرغم من واقع الحال، إلاّ أنني على يقينٍ أنّ اللبنانيين قادرون على تجاوُز الخلافات وترسيخ التفاهُم. إنّ الخلافات اللبنانيةغير عصيّة على الحلّ، غير أنه يتمّ استغلالها، مع الأسف، لتحقيق مآرب سياسيّة. وأنا أتّفقُ تمامًا مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة حول أنّ “الفترة التي أعقبت انتفاضة تشرين الأول 2019 والتضامن الذي تظهّرَ بعد انفجار 4 آب يُظهران كيف أنّ الناس اجتمعوا لمواجهة الصعوبات الشديدة … وكم كانت مثيرةً للإعجاب قُدرة المتطوّعين على التعبئة والعمل على الأرض في أعقاب الانفجار مباشرةً”. علاوة ًعلى ذلك، أنا مقتنعٌ بأنّ هذه الظروف شكّلت قوّة دفعٍ تكشّفَت من خلالها روح الوحدة لدى الشعب اللبناني.
4- في حياتي الأكاديميّة والعامة، اعتمدتُ مبدأين إرشاديّين هُما الشفافيّة والمساءلة. ولديّ اعتقادٌ راسخٌ بأنهما يشكّلان الطريق الثابت نحو تعافي لبنان. ولتسريع مسار التعافي، أكرّرُ الدعوة إلى السياسيين اللبنانيين لوقف الخلافات وتشكيل حكومة جامعة على وجه السرعة ومواصلة الإصلاحات التي بدأتها حكومتي.
أخيرًا، أودّ أن أعرب عن تقديري العميق لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة على كلّ الجهود التي بُذلت لإعداد هذا التقرير، آملاً أن تتمّ مشاركة الوقائع التي تضمّنها مع جميع الجهات المعنيّة وأن يُعمَل على تطبيق توصياته. كما يُسعدني الإشارة إلى العناية الواجبة التي أولاها تقرير التراث الثقافي الغني لمدينة بيروت وهويّتها، والذي يمتدّ على مدى أكثر من 5000 عام”. إن هذه الخلفية الغنية هي سبب للانبعاث. في الواقع، إن قدر لبنان هو التغلّب على كل الصدمات والمخاطر فيما تبحر مدنه المهيبة في رحلة طويلة عبر التاريخ”.