جبران باسيل غارق.. ومشاهد “دبكة” بين الفرح والخيبة؟!

13 يونيو 2021

يمكن القول للأسف ان لبنان دخل فعلياً غرفة العناية المشددة ،ويبدو ان الدولة تقاعدت عن دورها باكراً بعدما وصل “سوس” الأزمة المعيشية الى مؤسساتها وأجهزتها كافة، فاذا بأمر اليوم يعود لمافيات الدواء والبنزين والمواد الغذائية وغيرها التي باتت أكبر من الدولة لا بل هي “القانون” بحكم الحاجة والعوز، فتحول لبنان بذلك الى سوق حرّة، الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود.

هذا المشهد، الكل لا ينكر الفضل فيه للمافيا السياسية التي نبتت على اطراف كراسي السلطة وتسلقت ارجلها مزهوة بالانتصار رافعة سوطا – تضرب فيه كالصبية – وهو الملوث بالـ” طين” على الجانبين. مع العلم ان التاريخ القريب يشهد على ان لبنان لا يمكن ان يكرر تجربة حكم الوصاية الخارجية مرة أخرى. كما ان سياسة الإلغاء وأثمانها لا تغريه ولا يريد حتى ان يذكرها، وان الحفر في قبور الحرب الأهلية والثأر لها مغامرة مجنونة وارهاب بحق الشعب اللبناني كله.

لكن يبدو ان “عسل السلطة” أغوى صهر العهد جبران باسيل الذي، حتى الساعة ،لم يلق “مَن يرده”عن العبث بالدستور ونظام الدولة ، فاعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وُضع على الطاولة بعد انسداد ابواب الحل امام جميع المبادرات. ويبدو ان باسيل في تعنته متكل على مساندة حزب الله له حتى الساعة على الرغم من تحفظ الاخير الضمني على سياساته ومواقفه الاخيرة، وخاصة ايضا ان حزب الله وجد راحته في الوفاق السني – الشيعي الذي عالج نتوءاته السابقة رئيس مجلس النواب نبيه بري ، وهو لذلك في غير وارد زعزعة هذا الوفاق باي طريقة من الطرق، وربما هذا ما يفسر تمسكه بالحريري. الا ان باسيل لا يدرك ان ما هو غارق فيه اليوم ليس سوى “رغوة صابون” وان مرحلة الوقت الضائع التي يلهو بها لن تستمر طويلاً فغالباَ ما ينقلب السحر على الساحر. وان السنية السياسية المعتدلة التي طالها في خطاباته وممارساته التعطيلية وطموحاته المتطرفة هي مَن جنبت البلد وما زالت تجنبه انفجار صواعق الفتنة وتداعياتها من خلال دور رؤساء الحكومات السابقين الاساسي في تصويب بوصلة التعاطي السياسي المؤسساتي وفرض الالتزام بسقف الدستور ووثيقة الوفاق الوطني مع تأكيد صون الشراكة واحترام التوازنات.
فالدولة اليوم دخلت مرحلة التصفية غير الشرعية من الداخل والخارج، ومشهد التهريب الحاصل على الحدود باتجاه سوريا، من مواد مدعومة وغيرها ليس سوى لقطة من ” التاريخ” الذي يبدو سيعيد نفسه من زمن الوصاية السورية حيث نشطت الهدايا والمكرمات اللبنانية ونقل المقدرات اللبنانية على خط بيروت- الشام زمن الخروج من الحرب. التصفية هذه ، لاشك انها ستطال الواقع السياسي ووجوهه ايضا التي لا بد من ان تشكل انعكاسا للتطورات الحاصلة على خط التفاوض بين دول المنطقة وتحديدا العلاقة بين دول الخليج ودمشق وتعاطي حزب الله حيالها. كما ان المعطيات تشير الى ان مشاهد “الدبكة “التي كانت تصدح بها ساحات بعض المناطق تأييدا للنظام السوري عاد الحنين لاحيائها لدى مؤيديه القدامى. من هنا ربما كان الاستشعار الفرنسي الاقوى والاكثر تقدما بين الدول الصديقة والحليفة والجارة، والذي عبر عنه الرئيس الفرنسي فرنسوا ماكرون في حديثه الاخير عن لبنان، مصنفاً العلاقة بين لبنان وفرنسا تحت عنوان ” الاخوة” معلنا في آن بطريقة غير مباشرة ان لبنان فقد السلطة الشرعية وأن الأوان قد حان لتحضير عِدّة حماية لبنان في المرحلة الانتقالية، بما يؤشر بشكل واضح الى ان لبنان مقدم على تغيير كبير ولكن طريقه ستكون محفوفة بالخضات والمخاطر .