إلى أجل غير مسمى قرر الرئيس سعد الحريري الاستمرار في التكليف من أجل التأليف، فخطوة اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة عدل عنها ووضعها في الدرج بانتظار اللحظة المناسبة، فاذا لم تفلح مساعي رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله في إنزال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن شجرة التعطيل فإن ورقة الاعتذار سوف يسحبها الحريري في الوقت الذي يراه مناسباً، عطفا عن أن رئيس المجلس لن ينتظر طويلا لايضاح الحقائق إذا استمر التيار الوطني الحر في رفع سقف المفاوضات وفرض الشروط التي توصل كلها الى طريق واحد عنوانه الحصول على الثلث المعطل الذي يسمح له التحكم في قرارات وتعطيل انعقاد اجتماعاتها. علما ان اجتماعا سيعقد بين الخليلين وباسيل في الساعات المقبلة لاستكمال المساعي وبعدها قد يبنى على الشيء مقتضاه، فإما ان يبنى على الاجتماع اجتماعات لاحقة من أجل حلحلة الامور او تطوى صفحة مبادرة الرئيس بري الذي رغم كل شيء متمسك بمبادرته الى النهاية.
في خطوة لم يكن يتوقعها من اشاع خبر اعتذار الحريري، خرج الاخير من دار الافتاء يوم السبت محصنا بدعم من المجلس الشرعي الإسلامي الاعلى الذي ابدى رفضه المطلق المساس بصلاحيات الرئيس المكلف ورئاسة مجلس الوزراء، محذرا من أن أي سعي إلى أعراف جديدة فيما يتعلق بالدستور أو باتفاق الطائف أمر لا يمكن القبول به تحت أي حجة من الحجج، ليسمع الحريرى المواقف نفسها خلال لقائه رؤساء الحكومات السابقين الذين نصحوه بعدم الاعتذار.
نجح الحريري في لم “الشمل السني”حوله تزامنا مع لم شمل الثنائي الشيعي حيال ترؤسه الحكومة، وهذا من شأنه وفق الأوساط السياسية ان يضع حداً لمحاولات النائب باسيل الخائبة الاستقواء بشخصيات سنية بعضها مقرب من حزب الله وبعضها الاخر على علاقة جيدة بالاميركيين، فيرمي اسماءها في سوق الاستهلاك الاعلامي وفق احتمال ان تكلف تأليف الحكومة بعد اعتذار الحريري.
وبحسب الاوساط نفسها المقربة من الثنائي الشيعي ما يقوم به باسيل والمقربون منه لن يغير من واقع اللعبة السياسية الراهنة، فأوراق النفوذ السياسي للنائب العوني تتناثر ، وهو خسر فرصة توضيح وجهة نظره من العقد الحكومية خلال اجتماعه بالخليلين، هذا عطفاً عن أنه لا يجرأ على المجاهرة بأن غرفه الاعلامية تسوق لعدد من الشخصيات لرئاسة الحكومة ،علما ان العهد لا يمانع ان يتولى السفير السابق نواف سلام رئاسة الحكومة.
وسط هذا التخبط العوني، تؤكد الاوساط نفسها ان حزب الله لا علم له على الاطلاق بطروحات باسيل الذي يدرك جيدا ان الرئيس الحريري هو المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة الذي يحظى بدعم الثنائي الشيعي، ولذلك من المؤكد أن لا يفاتح نائب البترون الحزبَ باسم من هنا و اسم من هناك، هذا عطفا عن ان الاسماء السنية التي جرى التسويق لها في الايام الماضية يفترض ان تكون على دراية واقتناع ان حظوظها معدومة خاصة وأن الاجماع السني منصب على دعم الحريري، فما صدر عن المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى أكد أن الحريري ليس مرشح تيار المستقبل فقط لرئاسة الحكومة انما الطائفة السنية، وان تكليفه دستوري ولا يمكن لأحد أن يضغط عليه للاعتذار وبالاخص من يرفض تأليف حكومة برئاسة الحريري الذي يشكل رافعة حقيقية لمستقبل الحكومة وهو قادر على التواصل الفعلي مع المجتمع الدولي لمواجهة التحديات التي يواجهها لبنان على الصعيد الاقتصادية والمالية والمعيشية والنقدية.
إذن أزمة التأليف الحكومي قد تطول، والواقع الراهن وفق المعنيين خارج أي حل في المدى المنظور، فالتطورات الاقليمية والدولية المتصلة بالمفاوضات النووية واللقاء الاميركي- الروسي المرتقب في16 الجاري لن تؤتي ثمارها سريعا على صعيد لبنان طالما ان الاولويات الدولية في غير مكان، وبالتالي فإن احتمال ان يأتي الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين على ملف لبنان وازماته، لا يعني ان الحلول المرتقبة ستكون مباشرة بعد بيان جنيف.
والى ذلك الحين فان امكانية البحث عن حلول او مخارج للازمة ستكون اشبه بمن يبحث عن ابرة في كومة قش طالما ان النيات معدومة للالتقاء حول نقطة سواء، علما ان بعض الأوساط السياسية تسأل الم يحن الوقت بعد الى ثورة حقيقية تعبر عن نبض اللبنانيين الذين يعانون الأمرين من هذه السلطة الحاكمة. ولعل الثورة الشعبية تنجح في أن تقلب الأمور رأسا على عقب على صعيد الحكومة والانتخابات النيابية المهددة.