“يصوّب” على الوسطاء والمبادرين.. عون “لا يريد” حكومة؟!

16 يونيو 2021
“يصوّب” على الوسطاء والمبادرين.. عون “لا يريد” حكومة؟!

إلى لغة “البيانات النارية”، عاد التراشق السياسيّ بين المعنيّين بتأليف الحكومة في الساعات الماضية، بعدما ظنّ كثيرون أنّ هذا الأسلوب “انتهى” عمليًا، خصوصًا بعدما نشطت الاتصالات المباشرة في الأيام الأخيرة، في ضوء مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، التي لقيت، نظريًا وافتراضيًا بالحدّ الأدنى، تأييد جميع الأطراف.

 
لكنّ بيان رئاسة الجمهورية بالأمس لم يوحِ بمثل هذا الإجماع على الإطلاق. فبشكل بدا مُستغرَبًا لكثيرين، لم يصوّب مكتب الإعلام في الرئاسة على الرئيس المكلَّف سعد الحريري، بل على “المرجعيات والجهات التي تتطوع مشكورة للمساعدة في تأليف الحكومة”، وفق ما ورد حرفيًا في نصّ البيان، في إشارة بدت واضحة إلى الرئيس برّي.
 
دعا البيان هذه المرجعيّات والجهات صراحةً إلى “الاستناد إلى الدستور والتقيد بأحكامه، وعدم التوسع في تفسيره، لتكريس أعراف جديدة، ووضع قواعد لا تأتلف معه”، متمسّكًا بثابتة أنّ لا أفق لأيّ جهدٍ على خطّ تأليف الحكومة، إذا لم يسلك “الممرّ الوحيد المنصوص في المادة 53 الفقرات 2 و3 و4 و5 من الدستور”، ولا شيء سوى ذلك.

 
ماذا قصد عون؟ 
للوهلة الأولى، يظنّ المرء أنّ هجوم الرئيس على “الأعراف الجديدة” قد يستهدف، مِن ضمن مَن يستهدفهم، رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي نزع عن رئيس الجمهورية صلاحيّاته، ونصّب نفسه ناطقًا باسم الرئاسة، أو ربما “رئيس ظلّ”، وفق ما ظهر في لقاءات البياضة، التي سرّب “العونيّون” أنّ “الحكومة تؤلَّف فيها”.
 
وإذا كان باسيل أراد من هذه التسريبات “زكزكة” الرئيس المكلَّف، عبر الإيحاء وكأنّه “يتفرّج من مقاعد الاحتياط” على عملية تأليف الحكومة، من دون أن يكون شريكًا فيها، كما يكرر في كلّ بياناته، فإنّ المشكلة فيها أنّه ارتضى، ومعه الرئاسة، تحويل وجهة عملية التأليف من مكانها الطبيعي، أي قصر بعبدا، إلى البياضة، مع ما لذلك من “استخفاف” بدور رئيس الجمهورية قبل أيّ شخص آخر.
 
لكن الحقيقة أنّ هذا التفسير لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، فمشكلة الرئيس عون ليست مع باسيل، الذي “يَمون” بطبيعة الحال، وكلّ التضحيات تَهون “كرمى لعيونه”، منذ أيام الرابية، ولكنّها ببساطة مع الرئيس برّي، الذي يصرّ “العونيّون” على التعامل معه بصفة “الخصم” لا “الوسيط”، رغم أنّه يسعى لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر، والدفع باتجاه تأليف الحكومة، لا سيّما إذا كانت “العقدة” متمثلة فقط بالوزيرين المسيحيين كما يُقال.
 
“لا يريد حكومة” 
يعتقد كثيرون أنّ المشكلة الأكبر مع الرئيس برّي أنّه من وقف “حائلًا” دون تحقيق “الحلم العونيّ” بـ”اعتذار” الرئيس المكلَّف، خصوصًا بعدما قيل إنّ الأخير كان بوارد إعلانه السبت الماضي، بعيد اجتماع المجلس الشرعي الأعلى، لكنّ رئيس البرلمان هو من طالبه بـ”التريث”، وهناك بين “العونيّين” من يخشى من “سيناريو” يُحضَّر لتحميلهم المسؤولية، بحيث يأتي “الاعتذار” بعد “استسلام” بري وتحميل باسيل مسؤولية إفشال مبادرته.
 
لكن، أيًا كانت القراءة الصحيحة والواقعية، يعتبر خصوم “العهد” أنّ بيان الرئاسة لم يكن موفَّقًا، خصوصًا أنّه تزامن مع تصريحاتٍ منسوبة لرئيس الجمهورية تهاجم الجميع، بما فيهم “حزب الله”، على خلفية وقوفه على “الحياد” مع ما ينطوي على ذلك من “خذلان للحق”، في استعارةٍ من الإمام علي، وكلّ هذه الأمور مجتمعةً إن دلّت على شيء، فعلى أنّ الرئيس عون لا يريد حكومة في الوقت الحاليّ.
 
وفق القراءة الأولية، فإنّ الرئيس لا يريد حكومة برئاسة الحريري، وهو ما ظهر أصلاً منذ اليوم الأول للتكليف. لكنّ قراءة أخرى تذهب إلى الاعتقاد بأنّه ربما لم يعد يريد حكومة بالمُطلَق، ويفضّل إبقاء الأمور على مراوحتها “القاتلة”، لأنّ حكومة “مواجهة” كالتي يروّج لها “العونيّون” اليوم لا يمكن أن تخدم أهدافه، في السنة الأخيرة المتبقية من “العهد”، ولذلك قد يكون المطلوب مواصلة “تسجيل النقاط”، على الطريقة “الشعبويّة”، بانتظار أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا.
 
على طريقة “اشتدّي يا أزمة تنفرجي”، تمسّك البعض بالتفاؤل الحَذِر حتى بعد إعلان الرئيس المكلَّف سعد الحريري نيّته الاعتذار، باعتبار أنّ التلويح بهذا الخيار، الذي لن يكون في مصلحة أحد، من شأنه “خلط كلّ الأوراق”، والدفع نحو “التنازلات” المطلوبة. لكنّ بيان الرئاسة جاء ليطيح بهذا الاعتقاد، مصوّبًا على المبادرات والوساطات، ليصبح السؤال المشروع، هل فعلاً يريد تأليف حكومة تطلق ورشة “الإنقاذ” التي فات قطارها أصلاً؟!