“حرب البيانات” تفضح المستور وتطيح بالمبادرات.. “البادي أظلم”!

17 يونيو 2021
“حرب البيانات” تفضح المستور وتطيح بالمبادرات.. “البادي أظلم”!

حين سارعت رئاسة مجلس النواب، مساء الثلاثاء، إلى نفي ما نُسِب إلى “مصادر” ردًا على البيان “الناريّ” لرئاسة الجمهورية، ضدّ مبادرة رئيس البرلمان نبيه برّي، ظنّ كثيرون أنّ الأخير يريد “العضّ على الجرح”، وعدم الدخول في سجالٍ إعلاميّ مع فريق “العهد”، لا لحفظ “شعرة معاوية”، ولكن لمنع سقوط مبادرته بالضربة القاضية.

 
لكن، ما هي إلا ساعات، حتى “انقلبت” الصورة رأسًا على عقب، مع البيان العنيف الذي أصدرته رئاسة البرلمان، واستتبع ردودًا وردودًا مُضادّة قد لا تكون انتهت فصولاً بعد، خصوصًا بعدما وجّه برّي اتهاماتٍ واضحة وصريحة للرئيس ميشال عون بعرقلة مهمّة الرئيس المكلَّف سعد الحريري، بل بأنّه لا يريد أساسًا أن يؤلّف الأخير حكومة، وهو ما تقاطعت عنده أصلاً معظم التفسيرات الموضوعيّة لبيان الرئاسة المفاجئ قبل يومين.

 
ردّ عون، فاستدعى الحديث المتكرّر عن “الصلاحيّات والتحجيم”، فردّ برّي من جديد مذكّرًا إياه بأنّه كان أول “نابذي” فكرة “الحصّة الرئاسيّة” في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، فردّ عون من جديد قائلاً إنّ الأخير لم يكن يمتلك ثقلاً نيابياً، ليدحض برّي في بيان “استلحاقيّ” هذه الحُجّة بالتذكير أيضًا وأيضًا بأنّ تكتّل “لبنان القوي” (الثقل النيابي للرئيس) أعلن مقاطعته الحكومة، ونيّته حجب الثقة عنها، فكيف يستقيم تمثيله عبر الرئيس؟!
 
“البادي أظلم” 
ثمّة علامات استفهام طُرِحت في الساعات الماضية، حول “خلفيّات” دخول برّي في هذا السجال، وبهذا الشكل العنيف، بعدما أوحى في اليوم الأول للبيان الرئاسيّ أنّه “متريّث”، منعًا ربما لـ”حرب البيانات” التي أطاحت بالأخضر واليابس، علمًا أنّ بعض الأوساط ترجّح أن يكون ردّه جاء بعد اتصالاتٍ خلص بموجبها إلى أنّ “لا أفق” للتعطيل “العونيّ”، وأنّ فريق “العهد” لن يتجاوب مع المبادرات والوساطات، سوى بالكلام والشعارات.
 
لكنّ بعض المقرّبين من بري، أو بالحدّ الأدنى الداعمين لموقفه، يعتقدون أنّ ردّه كان “تحصيلاً حاصلاً”، وأنّه كان من المستحيل “التوهّم” بأنّه كان من الممكن أن يترك بيان الرئاسة “يمرّ من دون ردّ”، خصوصًا أنّ هذا البيان لم ينزل بردًا وسلامًا في عين التينة وغيرها، وأنّه أحدث “استياءً بالغًا” لدى الرئيس برّي، ولو أنّه قرأ فيه “اعترافًا ضمنيًا صريحًا” من جانب فريق “العهد” بأنّه يعطّل المبادرات عن سابق تصوّر وتصميم.
 
من هنا، يقول هؤلاء إنّ “البادي أظلم”، وبالتالي فإنّ السؤال الذي ينبغي أن يُطرَح ليس “لماذا ردّ الرئيس برّي”، وهو الأمر البديهي والمنطقي بعدما طالته السهام “العونيّة” التي حاولت أن تنزع عنه صفة “الحَكَم والوسيط”، رغم الالتفاف المحلي والدولي حوله، وإنما السؤال الأكبر يجب أن يكون “لماذا أصدر رئيس الجمهورية بيانه التفجيري من الأساس؟ وما الغاية من التصويب على المبادرة في عزّ محاولات إنعاشها؟!”.
 
لا أفق ولا من يحزنون 
ربط كثيرون بين “حرب البيانات” التي فجّرت الأزمة الحكومية المتفجّرة أصلاً، و”الكيمياء المفقودة” أساسًا بين الرئيسين بري وعون، في ضوء تسريباتٍ متداولة عن أنّ الأخير لم يكن من الأصل مؤيّدًا لمبادرة “الأستاذ”، الذي يرى فيه “طرفًا خصمًا”، يصطفّ إلى جانب الحريري، الذي سبق أن أعلن تأييده له “ظالِمًا أم مظلومًا”، بل إنّ استياء “العونيّين” الواضح من “حزب الله” يعود إلى تمسّكه بهذه المبادرة دون أيّ “بدائل”.
 
ومع أنّ برّي أكّد أنّ مبادرته مستمرّة، وردّ عون بالترحيب بهذه “الإيجابيّة”، قبل أن يسارع إلى “تبديدها”، عبر القول إنّ بيان رئيس مجلس النواب “أسقط” عنه صفة “الوسيط الساعي لحلول، وجعله طرفًا لا يستطيع أن يعطي لنفسه حقّ التحرك “باسم الشعب اللبناني”، يرى كثيرون أنّ لا أفق للمبادرات والجهود في ظلّ المعطيات الراهنة، لأنّ “المكتوب يُقرَأ من عنوانه” أولاً، ولأنّ بيان الرئاسة كان واضحًا في رفض المبادرة، ولو جاهر بالعكس.
 
باختصار، يقول العارفون إنّ “حرب البيانات” فضحت المستور، أو ما كان يحاول البعض “ستره”، فالفريق “العونيّ” الذي يتّهم بري وغيره بتحجيم صلاحيات الرئاسة، لا يزال متمسّكًا بمطالبه “الثابتة” التي تتقاطع عند الثلث “المُضمَر” إن جاز التعبير، وهو لذلك يرفض مبادرة برّي من الأساس، ولا ينوي التجاوب معها، بل لا يريد حكومة برئاسة الحريري، وهو ربما “يحمل” على بري لأنّه قطع الطريق على “الاعتذار” الذي كان قاب قوسين أو أدنى نهاية الأسبوع الماضي.
 
ينتظر البعض نتيجة الإضراب “العمّالي” الذي تشهده البلاد، والذي سارعت أحزاب السلطة إلى “ركوب موجته”، مؤيّدةً التظاهر ضدّ نفسها، في مفارقةٍ غريبة عجيبة لا تحدث إلا في لبنان، وسط “رهانات” على احتمال خلطه بعض الأوراق، إيجابًا أو سلبًا. لكن بإضرابٍ دخلت السياسة على خطّه أو من دونه، الأكيد أنّ الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم، وأنّ حلّها لا يكون بمواقف “شعبويّة”، بل بإجراءات عمليّة تأخّر أوانها كثيرًا، ويكاد قطارها يفوت!