بين “حدثين”، توزّعت الاهتمامات خلال الساعات الماضية، في ترجمةٍ لـ”مهزلةٍ لبنانيّة” يبدو أنّها مصرّة على الاستمرار، رغم كلّ شيء، ورغم معاناة المواطنين الذين فقدوا كلّ قدرة على الصبر، في ظلّ مشاهد “الإذلال” التي لا تنتهي، رغم ضرب السلطة حتى الآن لعشرات المواعيد لـ”الفرج”، الذي يتحوّل سريعًا لـ”انفجار” على الأرجح.
تمثّل الحدث الأول بـ”الإضراب” الذي نفّذه الاتحاد العمّالي العام، وتحوّل برأي كثيرين إلى “مهزلة”، بعدما تبارت أحزاب السلطة، بما فيها فريق “العهد” المُمسِك بالسلطة، إضافة إلى “شركائه” في الحكومات المتعاقبة، على إعلان “الدعم”، وإن لم تترجمه بالحشد الشعبي، ما أسهم في “هزالة” التحرّكات، التي بدت “سوريالية” في مكانٍ ما.
أما الحدث الثاني، فراوح مكانه حكوميًا، حيث اتّجهت كل الأنظار نحو “تردّدات” الحرب الكلاميّة “الثقيلة” بين رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري، وانعكاساتها على الاتصالات التي قيل إنّها مستمرّة خلف الكواليس، وسط “رهانٍ” على دور يمكن أن يلعبه “حزب الله” لرأب الصدع بين “حليفيْه اللدوديْن”، إن جاز التعبير.
صمت عن الكلام.. والعمل!
على وقع “حرب البيانات” الأخيرة بين عون وبري، كثرت التساؤلات عن موقف “حزب الله” وموقعه من المعادلة، علمًا أنّ العارفين يرون أنّه في وضعٍ “لا يُحسَد عليه”، خصوصًا بعدما طالته الكثير من “السهام” في الأيام الماضية، على خلفية موقفه “الرماديّ” الذي لم يعجب فريق “العهد”، ولا سيّما رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي يبدو أنّه ينتظر منه موقفًا حازمًا وصارمًا إلى جانبه، رغمًا عن الجميع.
لكن، كالعادة، انكفأ “حزب الله” فتسلّح بصمته، ولو خرقه “ظاهريًا” بموقفين لكلّ من نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم وكتلة “الوفاء للمقاومة”، إلا أنّهما “عمليًا” بقيا محصورَيْن في خانة “العموميّات”، من دون أن يُفهَم منهما توافر إرادة جدّية لدى “الحزب” للتحرّك الفعليّ لوضع حدّ للخلاف، ولو ضمن “ثابتة” الحزب الشهيرة، التي تنطلق من قاعدة رفضه “الضغط” على حلفائه، بأيّ شكلٍ من الأشكال، وأيًا كان السبب.
في المقابل، ثمّة وجهة نظر تقول إنّ “الحزب” تحرّك، ربما بخجل، بدليل أنّ “الجبهات هدأت” إلى حدّ بعيد، لكنّه آثر ترك تحرّكه بعيدًا عن العَلَن، لاعتقاده بأنّ هذه الأمور ينبغي أن تُحَلّ داخل الغرف المغلقة، من دون “نشر غسيل” كما حصل هذا الأسبوع، فيما يرى آخرون، من العارفين بأدبيّات الحزب، أنّ أيّ تحرّك فعليّ له يبقى “مؤجَّلاً”، ريثما تهدأ “النفوس” أيضًا، انطلاقًا من الخبرة والتجربة السابقة.
“مهازل” الوقت الضائع
في كلّ الأحوال، يبدو أنّ الرهان على دورٍ لـ”حزب الله” يمكن أن ينجح في “التقريب” بين عون وبري سيكون بعيد المنال، حتى أنّ هناك من يعتقد أنّ “الحزب” لن يقدر على “إقناع” حليفيه بضرورة طيّ الصفحة، وإعادة الاعتبار لمبادرة رئيس مجلس النواب، لأنّ هناك من بدأ يتصرّف على أساس أنّ هذه المبادرة “سقطت”، وهو ما أوحى به الرئيس عون صراحةً حين نزع عن راعيها وصاحبها صفة “الوسيط الحياديّ”.
ولعلّ إصرار “حزب الله” على رفض “الضغط” على الحلفاء كافٍ لتعزيز هذا المنحى، منحى يؤدي إلى تغليب منطق “الوقت الضائع” بانتظار “معجزة” ما لا أحد يدري من أين يمكن أن تصل، في ظلّ سباقٍ مع “الانهيار” الذي يكاد يطيح بالأخضر واليابس، وتستمرّ “المهازل” على طريقه، والتي كان آخرها بالأمس تصريح وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، والذي تحدّث عن “أمرٍ آخر” على اللبنانيين استخدامه بدل “السيارة”.
قد يكون كلام وزير الطاقة مفهومًا من ناحية التأكيد على أنّ أزمة المحروقات الحاليّة، وربما المُبالَغ بها بهدف “إذلال” اللبنانيّين، قد لا تجد طريق الحلّ سوى عبر “ترشيد” الدعم أو رفعه، بعدما وجدت السلطة الطريق “مسدودًا” أمامها بسبب سياساتها “المتهوّرة”. لكنّ ما لا يمكن أن يكون مفهومًا، فهو “الاستخفاف” مرّة أخرى بالمواطنين غير المقتدرين، حتى أنّ وسائل التواصل تحوّلت إلى “خليّة نحل” في محاولة لفكّ لغز ما قصده الوزير بـ”الأمر الآخر”.
في إطار التعليقات على كلام الوزير غجر، ثمّة من ذكّر بغياب النقل العام والمشترك في البلاد، وثمّة من ذهب ليبتكر حلولاً، فيتكهّن أنّ الوزير قصد “الحمير”، قبل أن “يستصعب” هؤلاء هذا الحلّ أيضًا، باعتبار أنّ الغلاء لحق بالتبن. وبين هذا وذاك، يبقى الأكيد أنّ الأزمة المتفاقمة تخطّت كلّ الحدود، ولم يعد “التطبيع” معها ممكنًا، في ضوء “جنون” يتمظهر كلّ يوم، مع اقتراب “ساعة الجدّ”، أو ربما “جهنّم” الموعودة، التي قد تنقلب “كارثة” على الجميع!