بمعزل عن أن التوجه العام في البلد ينذر بتعطيل الانتخابات النيابية المرتقبة في ايار المقبل، فإن الموسم الانتخابي انطلق. بدأت الاحزاب السياسية العمل على تحضير لقاءات انتخابية في مناطقها بغض النظر عن مرشحيها الذين من السابق لاوانه الحديث عن اختيار اسمائهم، هذا فضلا عن الخطابات المتشددة التي تشكل عدة الشغل عند المتخاصمين.
تحصّن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل امس الاحد بالدفاع عن حقوق المسيحيين، فبدا وكأنه مسيحي أكثر من البطريرك الحويك والبطريرك خريش والبطريرك صفير الذين واكبوا الحقبات الحساسة في البلد على كل المستويات بعيدا عن حدة الخطاب والعصبية الطائفية. لكن المفارقة تكمن ان باسيل ائتمن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على حقوق المسيحيين، ليعطي حزب القوات اللبنانية” ذريعة جديدة لتجييش الجمهور المسيحي والهجوم على النائب العوني الذي بالنسبة اليها يواصل العبث بمستقبل المسيحيين ووجودهم واقحامهم في محاور اضرت سياستها بلبنان ككل، ففي اللعبة الانتخابية تباح كل المحظورات وتستخدم الاسلحة السياسية بقوة. في الشكل، كانت اطلالة باسيل متوازنة جداً فهو وظف حججه بدقة ونجح جريا على عادته في المحافظة على الانسيابية في مقاربة الاحداث والملفات والقضايا، لكن المشكلة تكمن في المضمون، فهو، بحسب مصادر مقربة من الثنائي الشيعي لـ”لبنان24″ اقفل الطرقات الممكنة لإحداث اي خرق في الملف الحكومي من خلال رفضه صيغة الـ 24 وزيرا ونسف مبادرة الرئيس نبيه بري، ليفجر معركة اضافية قطعت الطريق على اي فرصة يمكن من خلالها ان ينجح الرئيس المكلف سعد الجريري في تاليف الحكومة، فهو اوصد الابواب فعلا امام السيد نصرالله بنسفه قاعدة البناء سلفا وعدم ترك اي صيغة يمكن العمل عليها لتاليف الحكومة، وهذا يعني ان باسيل تقصد حشر حزب الله اكثر من ائتمانه على حقوق المسيحيين، وبالتالي فإن حزب الله الذي لن يترك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحيداً قدر الامكان ،لا يمكن ان يقبل بخيارات تحشره في زاوية الحسابات الضيقة، علما أنه في حال اعتذر الرئيس المكلف خلال شهر او اكثر من الممكن ان ينتقل البحث، وفق المعنيين، الى تأليف حكومة وحدة وطنية او حكومة اقطاب تجمع القوى السياسية كافة يتصدر بيانها الوزاري عنوانان اساسيان الانتخابات النيابية ومنع الارتطام الداخلي، خاصة وان هناك اجماعا اوروبيا على ضرورة تجنيب لبنان الانفجار الاجتماعي. لكن الاكيد ان الوصول الى خلاصات حول مآل الامور دونه عقبات طالما ان الجولة الجديدة لم تبدأ بعد. إن وراء الاكمة ما وراءها، فالقصف السياسي بين المعنيين يهدف في الشكل وفي الوقت الراهن الى شد العصب واللعب على وتر التناقضات وتصفية الحسابات، لكنه يخفي في طياته أفكارا بدأت تلوح في الافق حول الفيديرالية والتقسيم كحل للازمات التي يمر بها لبنان، ربطا بتطورات الاوضاع واستحالة التعايش والتفاهم. من هنا ترى مصادر مطلعة على المشهد السياسي الراهن لـ”لبنان24″ ان الرئيس عون والنائب باسيل يرغبان بالعودة الى مشهد العام 2005، يومذاك فشل التحالف الرباعي، في حين ان العماد عون حقق رقماً صعباً خارج فريقي 8 و14 آذار على السواء. فحقق مفاجأة نيابية ارهقت خصومه وشكل «تسونامي» كان النائب السابق وليد جنبلاط حذر منه. وها هو اليوم يتمنى ان يتكاتف التحالف الرباعي الإسلامي نفسه ضده، لان من شأنه ان يوفر مجددا عطفاً مسيحياً إضافياً حوله، مما قد يعيد حقبة العام 2005 ، لكن اذا سقطت هذه الامال، فإن خيار تكرار تجربة العام 1988، التي يعتبرها العونيون، محطة مفصلية قد يعود الى الواجهة، لكنه سيكون بمثابة الانتحار، فاي ايقاظ لما يسمى بحربي “الالغاء” و”التحرير”، سيشكل نحرا لما تبقى من بلد، تقول المصادر نفسها. هذا فضلا عن أن خيارا كهذا يحتاج الى مجموعة مرتكزات ليست متوفرة في الوقت الراهن، فالتطورات الكبرى في المنطقة لا تصب في اتجاه تقسيم لبنان او دفعه نحو الفيديرالية التي فشلت في العراق، وانتفت فرص تكريسها في سوريا.